للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

البشر المعدلون وراثياً وعصر السوبرمان !

  • الكاتب : د. طارق قابيل

    أستاذ التقنية الحيوية المساعد بكلية العلوم والآداب - جامعة الباحة - المملكة العربية السعودية

  • ما تقييمك؟

    • ( 4.5 / 5 )

  • الوقت

    02:22 ص

  • تاريخ النشر

    15 أغسطس 2017

تصحيح الجينات المسببة للأمراض الوراثية البشرية: خطوة صغيرة للبشر، وقفزة عملاقة للبشرية

في كتاب " الإنسان الخارق " أو (The Superman) يقول مؤلفه جورج برناردشو: "إن الإنسان تعدى مرحلة الإنسان البدائي.. وهو الآن في مرحلة الإنسان ولكنه ليس الإنسان الخارق". وفيه يضيف: "إن الإنسان الحالي يفعل الخير بغية الثواب، ويبتعد عن الشر خوفاً من العقاب، ولكن الإنسان الخارق أو السوبرمان سوف يفعل الخير، لأنه خير ولأنه جميل وسوف يبتعد عن الشر لا خوفاً من عقاب ولكن لأنه شر وكربة."

وسوبرمان هو شخصية وهمية وبطل خارق يدعى بالبطل الجبار، وظهر على صفحات العدد الأول من قصص الحركة المصورة (أكشن كومكس) في شهر يونيو من عام 1938م. ولقد أصبح سوبرمان تدريجياً أشهر بطل خارق في العالم، وجعل مجلة السوبرمان أشهر مجلة مصورة في العالم وتمت ترجمتها لأغلب لغات العالم. ثم تطورت قصص سوبرمان من صفحات المجلات إلى مسلسلات الإذاعة ثم التلفزيون ثم الأفلام السينمائية وألعاب الفيديو.

ومن وحي هذه الأسطورة، تنبأ البعض بأن العلم سينجح في إكساب الهيموجلوبين صفات الكلوروفيل، وبالتالي سيصبح السوبرمان قادراً على تكوين غذائه من الشمس بواسطة التمثيل الضوئي.. وقد يصبح هذا الإنسان أخضر اللون!.. وتنبأ آخرون بأن سوبرمان.. إنسان خال من الجينات المسرطنة والجينات التي تؤدى للإصابة بالعديد من الأمراض كالسكرى أو ارتفاع ضغط الدم أو الاكتئاب، وغيرها من الأمراض. كما ظهرت العديد من روايات وأفلام الخيال العلمي التي ظهر فيها إنسان المستقبل المحسن وراثيًا، والمعدل جينيًا، كالرجل العنكبوت وغيرها من الأفلام التي اعتمدت على فكرة التعديل الجيني المستهدف في البشر.

وحاليًا لم يعد هذا التصور حكرًا على عالم الخيال العلمي، ففي خطوة حذر منها بعض العلماء البارزين حول العالم، وسبق أن أشارنا إليها في مقال منشور على موقع منظمة المجتمع العلمي العربي (ثورة التحرير الجيني)، أجرى فريق بحثي أمريكي من ولاية أوريجون، تجربة ناجحة لتعديل أجنة بشرية وراثيًا، حيث قاموا بتحرير الحمض النووي للأجنة البشرية الصالحة للبقاء بكفاءة كبيرة.

ووفقا لما جاء في تقرير نشر الأربعاء 26 يوليو، في مجلة تكنولوجي ريفيو "MIT Technology Review"، قام فريق من جامعة أوريجون للصحة والعلوم في مدينة بورتلاند، بقيادة شوخرات ميتاليبوف، باستخدام تقنية تحرير الجينوم الثورية «كريسبر - كاس 9» "CRISPR-Cas9" لإحداث تغييرات على الحمض النووي البشري في الأجنة ذات الخلية الواحدة، وتجاوزت التجارب السابقة لتغيير الحمض النووي للأجنة البشرية مع وجود بعض الأخطاء البسيطة.

وبحسب البحث المنشور في مجلة "نيتشر" العلمية، فإن الفريق البحثي الأمريكي-الكوري جنوبي نجح في استخدام تقنية «كريسبر - كاس 9» لإزالة الجين الذى يُسبب مرض تضخم عضلة القلب المتراكز، والذى يُسبب السكتات القلبية المفاجئة، عن طريق تلقيح بويضة سليمة بحيوانات منوية لرجل مُصاب بالمرض، ثم استهدف العلماء جين MYBPC3 والذي يُعتقد أنه السبب الرئيسي للإصابة بالمرض، وتمكنوا من إزالة الجين وسمحوا للأجنة بالنمو لمدة 5 أيام، قبل أن ينهوا التجربة بإعدام الأجنة.

ويُعد مرض تضخم عضلة القلب المتراكز أحد الأمراض غير الشائعة القاتلة، وينجم عن عيب وراثي يؤثر على إنتاج بروتين الميوسين Myosin الذي يؤثر على اداء العضلات؛ وبخاصة عضلة القلب. ويعاني مرضى تضخم القلب المتراكز المتقدم من تلف واضمحلال في خلايا عضلة القلب، ما يؤدى للإصابة بالسكتات القلبية. ولاحظ الفريق البحثي، الذي يترأسه «هونج ماكلوس» أستاذ علوم الجينات بجامعة أوريجون الأمريكية، أن 72% من الأجنة لم تطور علامات الإصابة بالمرض القلبي الخطير.

وكان فريق من العلماء الصينيون قد نجح في مطلع العام قبل الماضي في إجراء تغييرات جينية على الأجنة البشرية، غير أن الأمر قوبل وقتها بعاصفة من الاستهجان بسبب ما وصف وقتها بالفهم الضئيل لطبيعة الجينات البشرية، وخطورة العبث بها. ومؤخرًا، قام مجموعة من الباحثين من معهد أمراض السرطان في مدينة بوسطن الأمريكية باستخدام تقنية «كريسبر» لتعطيل جينات معينة في جينومات السرطان للحد من قدرة الخلايا السرطانية على التكاثر. فيما قام علماء من الصين بحقن أشخاص يُعانون من سرطان الرئة بخلايا مُعدلة وراثيا باستخدام تقنية «كريسبر»، للمساعدة على تدمير السرطان.

وكما توقعنا في المقال السابق الإشارة إليه، أجريت كل التجارب في الصين، من حيث تحرير جينوم العديد من الأجنة واستهداف الجينات المرتبطة بأمراض بشرية مؤثرة. ويقترب العلماء الآن من إزالة أمراض جينية وراثية لأول مرة عن طريق تحرير طفرة جينية ترتبط بأمراض القلب في أجنة بشرية، ووصف جوان بيلمونت، أحد المشاركين في كتابة الدراسة، البحث بأنه أول محاولة لإنتاج أجنة بشرية معدلة جينياً تُثبت آمان التحرير الجيني.

واستخدم ميتاليبوف وزملاؤه الأجنة البشرية الناتجة عن التلقيح باستخدام حيوانات منوية تبرع بها رجال يحملون طفرات جينية معروفة لمحاولة إصلاحها عن طريق استخدام تقنية «كريسبر». وعلى النقيض من التجارب التي أجريت في الصين، فإن البحث الأخير ينتج عددا قليلا جدا من الآثار "غير المستهدفة"، أو تحرير الجينات التي كان من المفترض أن تتركها «كريسبر» وحدها. وتجنبت التجربة ما يسمى بـ "الفسيفساء" (mosaicism)، حيث لم تتغير سوى بعض خلايا الجنين، ولم يسمح للأجنة أن تتطور بعد مرحلة مبكرة جدًا من التطور الجنيني.

وقال موقع تكنولوجي ريفيو الذي كان أول من نشر الخبر، إن من المعتقد أن البحث يفتح آفاقاً جديدة، سواء من حيث عدد الأجنة التي شملتها التجربة، أو توضيح أنه من الممكن تصحيح بعض الجينات المسببة للأمراض الوراثية بكفاءة وأمان.

مخاوف وتحذيرات

وكانت بعض البلدان قد وقعت على معاهدة تحظر هذه الممارسة بسبب مخاوف من احتمال استخدامها في إجراء تعديلات وراثية، ومحاولة تحسين المواليد وراثيا وإكسابهم صفات محددة. وقد أثارت تحذيرات حول "الأطفال المصممين" أيضا لأن تغيير الحمض النووي لجنين مبكر يؤدي إلى تغييرات في الخلايا والتي سوف تنتج في نهاية المطاف الحيوانات المنوية والبويضات، وإذا ولد الجنين ونمى إلى مرحلة البلوغ، فإن أطفاله سوف يرثون التغيير الجيني، وهو ما يسمى تحرير السلالة الجرثومية. وقد أدى ذلك إلى مخاوف من أن هذا التلاعب يمكن أن يغير مسار التطور البشري؛ حيث سيكون بمقدرة الآباء اختيار الأجنة عن طريق إضافة أو إزالة أو تغيير جينات معينة لبعض الصفات البشرية المرغوبة.

وصف العلماء البحث الأخير بـ «الثوري»، وعلى النقيض يعتبر البعض إن هناك ثمة تسرع في استخدام تقنية «كريسبر»، إذ يروا أن استخدام تكنولوجيات تعديل الجينوم البشري لايزال أمر مشكوك فيه من الناحية الأخلاقية، لأنه قد يُسبب حدوث طفرات في الحمض النووي لا يُمكن التنبؤ بها في الأجيال القادمة، فيما يعتقد الفريق المؤيد لاستخدام التقنية أنها «لا تُقدر بثمن».

ومن الواضح أن تقنيات التحرير الجيني تتقدم بوتيرة متسارعة، وأن عصر تصميم الأطفال حسب الطلب يطرق الأبواب، وأن التنقيح الجينومي قادم لا محالة، فعادة لا تستطيع القوانين إيقاف مثل هذا التطور التقني الكبير الذي يكتسب كل يوم مؤيدين جدد وأرض جديدة. فهل نحن على أعتاب عصر السوبرمان؟ .. هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة بإذن الله.

 

البحث الأصلي

 

فيديو طريقة التحرير الجينومي باستخدام طريقة «كريسبر-كاس9»

 

 

البريد الالكتروني للكاتب tkapiel@sci.cu.edu.eg

الموقع الإلكترونيhttp://scholar.cu.edu.eg/tkapiel/

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

0 التعليقات

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */