للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

عندما تصمد اللغة برجالها

  • الكاتب : سعيد بوسامر

    كاتب وباحث من الأهواز - ماجيستر لسانيات من جامعة علم وصنعت في طهران

  • ما تقييمك؟

    • ( 4.5 / 5 )

  • الوقت

    03:51 م

  • تاريخ النشر

    25 مارس 2020

الاستعمار اللغوي من أخطر ما مر بنا في هذا العصر، وهو من أولويات السياسيين لكسر العمود الفقري للشعوب ولإخضاعهم غصباً لعملية جراحية عقلية. بدءًا من عام 1940م قرر الاتحاد السوفيتي بسط سطوته الحديدية السياسية والثقافية على ليتوانيا، وبدأ بضرب الأسس اللغوية والثقافية لهذا البلد. بدأ القيصر ألكسندر الثاني رومانوف المعروف "بالمصلح والمحرر للعبيد" بفرض اللغة الروسية على كل من أصبح تحت لواء حكومته وصار "الترويس" شرطاً للوصول إلى الموارد التي توجد بين أيدي المهيمنين.

فُرضت اللغة الروسية في التعليم "الليتواني" وألغيت "اللغة الليتوانية" من التعليم. وكل من أراد أن يدخل سلك التعليم أو ينخرط بالمجتمع الروسي والوصول إلى متطلبات الحياة اليومية فعليه أن يتقن اللغة الروسية وينسى لغته الأم.

تم حظر اللغة الليتوانية وبدأ الروس بجمع وحرق الألوف من الكتب الليتوانية حتى أصبح دخان اللغة الأم يغطي سماء ليتوانيا. وبادر بعدها الروس بسياسة احتواء الكاتب والشاعر والفنان والناشط الليتواني.

فقال وطنيو ليتوانيا تبخرت لغتنا وسنذوب نحن إن لم ننهض لنصرتها، وقال المتقاعسون المتماهون: من الأفضل أن نتخلص من هذه اللغة التي لا تنفعنا بشيء! فباع بعضهم لغته وكرامته بثمن بخس.

استخدم الروس بعدها شتى طرق البطش والطمس على من لم ينصهر مع الثقافة الروسية، وتم سجن وتعذيب من يخبئ في جيبه أو بيته مخطوطة باللغة الأم. بذل هذا الاتحاد البائس بأفكاره الشمولية البائسة جهودا عسكرية وسياسية لفرض اللغة الروسية بما في ذلك استبدال الكتب والأعمال المكتوبة باللغة الليتوانية بأعمال كتبت بالروسية والتي تعبر عن الثقافة الروسية المحضة. حظر أيضا هذا القيصر المصلح المدمر طباعة أو استيراد كل شيء مطبوع باللغة الليتوانية إلى ليتوانيا. فيا ترى ماذا فعل الليتوانيون؟

أدرك المهتمون والمثقفون والكتاب الليتوانيون أن مهمة حفظ اللغة الليتوانية من كيد الروس الغازين تقع على عاتقهم أولاً وآخرا وأنهم إذا فقدوا لغتهم سيفقدون الخیط الذي یوصلهم بالأجداد، وسيفقدون معها حلقات ماضیهم، وسیشعرون بفجوة عمیقة في تطورهم، وینقطعون عن أصلهم كجلمود صخر انفصل عن الصخرة الأم وحطّه السیل من علٍ فجرفه وقذف به بعیداً إلی أعماق الذوبان. إنهم أدركوا بالفعل أن اللغة الأم هي الحیاة، فإذا لم يلتزموا هم بحفظها فستموت لغتهم وثقافتهم وستذوب ليتوانيا. فعمل كل من "فالانيوس" و"شميتجا" و"نيكاس جوسكا" ومعهم كتاب ملتزمون آخرون ليلا ونهارا ونظموا وتمولوا جهودا لطباعة ونشر كتب ونصوص بلغتهم الأم الليتوانية خارج ليتوانيا فطبعوا أربعين ألف كتابا باللغة الليتوانية في فترة قصيرة جدا وبقيت مهمة كيفية دخولها ونشرها في ليتوانيا التي تحكمها لغة النار والحديد. من هنا بدأت مهمة أمثال "يورجيس بيلينيس"، الكاتب الذي أنشأ شبكة توزيع سرية من أجل تهريب الكتب باللغة الأم الليتوانية المحظورة إلى البلاد.  ومن هنا بدأت مغامرة تهريب الكتب إلى ليتوانيا المغلوبة على أمرها. اتسعت رقعة تهريب اللغة الأم وشملت البسطاء من الناس واستمروا في تعاطي اللغة الأم في الخفاء وبدأوا بمرحلة النشاط السري بعيداً عن الأنظار خوفا من الشرطة في الليالي والشوارع. بدأ المدرسون الوطنيون أيضا يجمعون الطلاب في حلقات في سراديب تحت الأرض، وبدأت الأسر الليتوانية بتعليم أطفالها لغتهم القومية وأصروا على ذلك رغم التهديدات الحكومية ليسترجعوا قوة لغتهم ونشاطها وقواعدها في مختلف نقاط ليتوانيا.

عندها أصبح تعاطي اللغة الأم أمرا مقدسا وحّد ليتوانيا من جديد ونصرهم ضد الروس فأصبح مهربو الكتب في ليتوانيا رمزا للمقاومة النبيلة الوطنية ضد الروس، أما المتقاعسون الذين تركوا لغتهم وروجوا للترويس من خلال كتاباتهم، ناداهم شعبهم: اذهبوا إلى حيث تنتمون، من الآن فصاعدًا أنتم في مزبلة التأريخ!

 

البريد الالكتروني: info@arsco.org

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

1 التعليقات

  • طارق أمنية10 سبتمبر, 202111:28 ص

    استعمار فكري مسيطر

    اذا اردت تدمير اي شعب دمر لغته الام اولا هذا حدث معنا في المغرب، نفخر بالفرنسية وهم من وضعوا احذيتهم على رؤوسنا

    رد على التعليق

    إرسال الغاء

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */