للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

تأثير مقاومة الجراثيم للمضادات الميكروبيّة على الصحّة العامّة

  • الكاتب : محمد نورين بن أحمد الأهدل

    أستاذ وعالم أبحاث رئيس، علم الأحياء الدقيقة والمناعة مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض

  • ما تقييمك؟

    • ( 5 / 5 )

  • الوقت

    12:14 م

  • تاريخ النشر

    09 يوليو 2020

مقدمة

مقاومة الجراثيم للمضادّات الميكروبيّة هو موضوع معقّد ينتج عنه خطورة عالميّة على الصحة العامّة، وقد تربّع على عرش الاهتمام الدولي في الفترة الأخيرة بعض الأمراض المستجدّة والعائدة مثل الكوفيد والسارس وإنفلونزا الطيور وفيروسات الإيبولا والزيكا، وتناسى الكثير من المختصّين مشكلة كبرى وهي مقاومة الجراثيم للمضادّات الميكروبيّة.

ماهي هذه المقاومة؟

لقد عرّفت منظمة الصحة العالميّة مقاومة الجراثيم للمضادّات الميكروبيّة بأنّها قدرة الجراثيم بأنواعها المختلفة (بكتيريا وفيروسات وفطريّات وطفيليّات) على التغيُّر الوراثي والشكلي عند تعرّضها للمضادّات الميكروبيّة (بما في ذلك المضادّات الحيوية) بحيث تصبح هذه المضادّات غير فعّالة في علاج كثير من الأمراض المُعدية. وموضوع المقاومة هذا ليس بجديد، فهو معروف منذ أن بدأ استخدام المضادّات الحيوية في الأربعينات الميلاديّة (أنظر الشكل رقم 1)، وعندما لوحظ تواجد ما يسمّى بالميكروبات الخطيرة أو الرهيبة Superbugs كـبكتيريا معاودة الظهور أو مستجدّة (مثل المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيللين، وبكتيريا السل الرئوي أو الدَّرَن، وبكتيريا من عائلة الإنتيروباكتيرييسيئي، وأخريات كُثُر) مقاومة لمعـظم المضادات الحيوية المعروفة، وانتشر تواجدها في كثير من المجتمعات، أصبحت هذه مشكلة تتعلـّق بالصحة العامّة في كـل مجتمع ودَوْلَه، ويزداد وضوح هذه المشكلة على المستويات الدولية مما يتوجب التدخّل الفوري للكثير من قطاعات الحكومات، وحتى المجتمع بأسره بما في ذلك الأفراد. وقد تعدّت هذه المشكلة جراثيم البكتيريا، فالمقاومة أصبحت واضحة في بعض الفيروسات، كفيروس نقص المناعة المكتسب وبعض الطفيليات كطفيلي الملاريا كما هي أيضا في بعض الفطريّات. وهذه المشكلة اقتصاديّة بالإضافة إلى كونها صحيّة، فما يتم إنفاقه على علاج شخص مصاب بمرض ميكروبي مُقاوم لمضادات الميكروبات يكون نتيجة لطول مدّة العلاج، مع البقاء في المستشفى لمده طويلة في كثير من الأحيان، مما يستلزم إجراء اختبارات مختبريّة إضافيّة واستخدام أدوية باهظة الثمن، وهذا يكلّف كثيرا مقارنةً بمريض ليس لديه عدوي بميكروب مقاوم للمضادات. ومن مضاعفات مشكلة المقاومة للمضادات الميكروبية هي أن المريض بهذه السلالات المقاومة قد يُعدي الآخرين، خاصة لكون المرض قد تطول مدته في انتظار المُعالجة الملائمة، وبالتالي يكون مصدراً لعدوى محتملة لأفراد المجتمع والمُمارسين الصحيين.

أين التقدم في اكتشاف وتصنيع مضادات جديده؟

ويقول المنطق أنّ اكتشاف وتصنيع مضادّات ميكروبية جديدة هو أحد الحلول لمشكلة المقاومة هذه، ولكن عملية الاكتشاف والتصنيع وما يسبقها من أبحاث تقهقرت كثيرا وذلك لأن الكائنات الدقيقة تتغير بسرعة وتتكيّف مع المضادّات الجديدة التي لن تكون فعّالة على المدى القصير والمدى الطويل، وكذلك لإحجام كثير من شركات الأدوية في الاستثمار في هذا الاتجّاه، لكون المضادات الميكروبية تستخدم لفترة قصيرة لا تزيد عن الأسبوعين، ولا ترى الكثير من شركات الأدوية جدوى في الإنفاق على الأبحاث والتطوير في هذا المجال، بعكس أدوية الأمراض المزمنة  كأمراض السكري والقلب والسرطان والأعصاب والتي لها مردود مادي مُجدي كونها تؤخذ يومياً تقريباً ولِمُدد طويلة جدا.

الكثير من الأبحاث في السنوات العشر الأخيرة تمحورت حول تطوير مشتقات من المضادات الموجودة حالياً (مثل التايقيسايكلين من التتراسايكلين والكاربابينيم من الإيميبينيم) أو تركيبات صيدلانية من أكثر من مضاد واحد فيما يسمى بالمعالجة المركبة combination therapy (كالجيل الخامس من السيفالوسبورينات مثل السيفتولازين مع التازوباكتام). وقد اضطرَّ مقدمي الرعاية الصحية لمعالجة بعض المرضى بمضاد قديم وهو الكولسيتين كالوسيلة الأخيرة لمعالجة البكتيريا سالبة القرام المقاومة لمعـظم المضادات الحيوية مثل سودوموناس إيروجينوزا وأسينيتوباكتر بومانّاي وكليبسيللا نومونيا. ورغم ذلك، فإن الجراثيم والبكتيريا على وجه الخصوص (موجبة القرام أو سالبة القرام وهي الأساس كتلك التي تفرز إنزيم يكسر دواء الكاربابينيم) تجد طُرُقاً مختلفة لمقاومة هذه المحاولات، سواء تمت العدوى في المستشفى أو في المجتمع، وتكون المشكلة أكبر بكثير لو لم يُساند الجهاز المناعي المحاولات العلاجية مثل أحوال مرضى العَوَز المناعي.

ماذا سنفعل؟

إن من أهم طرق تطويق هذه المقاومة الجرثوميّة للمضادات الحيوية هو الإشراف على استخدامات وصرف المضادات الحيوية، والسيطرة على العدوى والحرص على عدم حدوثها وتطوير تشخيصها، ومراقبة نشوء وتواجد الجراثيم المقاومة للمضادات. ويعتمد نجاح تطويق المقاومة الجرثوميّة في إطار الرعاية الصحية والمستشفيات على البرامج التي تديرها فِرَق متعددة التخصصات كأطباء الأمراض المعدية والصيادلة السريريون وعلماء الميكروبات وممارسي مكافحة العدوى والإداريون. وقد منعت الكثير من دول العالم صرف المضادات الحيوية عن طريق الفم أو الحقن إلا بوصفة طبية، وشددت الرقابة على ذلك.

الاستنتاجات

رغم كل الاحتياطات التي اتخذتها الكثير من الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية، إلا أن استخدام المضادات الحيوية للإنسان والحيوان وفي الزراعة لا يزال يكثر ويزيد، ويكثر معه العبء الاقتصادي في القطاع الصحي لإطالة مدة التنويم في المستشفيات وما قد يتبع ذلك من أجنحة عزل صحي مع تدابير صارمة لمكافحة العدوى وعدم نجاعة العلاج. ونرى أن يقوم قادة الصحة العامة على إنشاء نظام شامل لمراقبة تطوّر هذه المقاومة على جميع المستويات المحلي والإقليمي والوطني والدولي، مع مراقبة الأوضاع وتحليل النتائج المستمر وإنشاء نظام إلزامي للإبلاغ عن أي مقاومة للمضادات الحيوية من أي مكان وفي أي زمان.

جدول يوضح بعض الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية والتي نحتاج للاهتمام بها



البريد الالكتروني للكاتب: profahdal@gmail.com

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

0 التعليقات

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */