للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

الأشعة الكونية مصادرها وتأثيراتها علينا

  • أ.د. عمر دسوقي

    أستاذ الفيزياء الحيوية الإشعاعية - هيئة الطاقة الذرية المصرية

  • ما تقييمك؟

    • ( 5 / 5 )

  • الوقت

    02:58 م

  • تاريخ النشر

    17 يناير 2022

في بداية القرن العشرين اعتقد العلماء أن هناك نشاطًا إشعاعيًا أكثر مما يمكن حسابه بشكل طبيعي على الأرض، فمن أين يأتي؟، قرر فيكتور هيس اختبار فكرة أن الإشعاع الإضافي جاء من الفضاء الخارجي، ففي عام 1912 كانت إحدى الطرق للقيام بذلك عن طريق بالون وصل إلى ارتفاع ثمانية عشر ألف قدم ولاحظ أن الإشعاع يزداد باطراد، إنها الأشعة الكونية!

ما هي الأشعة الكونية؟

الأشعة الكونية عبارة عن جسيمات تحت ذرية ذات طاقة عالية -معظمها بروتونات وأنوية ذرية مصحوبة بانبعاثات كهرومغناطيسية -تتحرك عبر الفضاء، وفي النهاية تقصف سطح الأرض؛ وسرعتها تقارب سرعة الضوء تقريبًا، إذ تبلغ حوالي 300.000 كيلومتر في الثانية.

من أين تأتي الأشعة الكونية؟

الأشعة الكونية نوعان: مجرّي وشمسي.

1- يأتي الإشعاع الكوني المجرّي  Galactic cosmic radiation, GCRمن بقايا المستعرات العظيمة Superanova، وهي انفجارات قوية خلال المراحل الأخيرة من النجوم الضخمة، والتي إما أن تنهار لتتحول إلى ثقوب سوداء أو يتم تدميرها، وتعمل الطاقة المنبعثة من هذه الانفجارات على تسريع الجسيمات المشحونة خارج نظامنا الشمسي؛ مما يجعلها شديدة الاختراق ويصعب الحماية منها، وفي جوهرها تعمل المستعرات العظيمة كمسرعات جسيمات طبيعية ضخمة وتتعرض الأرض باستمرار للإشعاع الكوني المجري، ومن المصادر المحتملة للأشعة الكونية نوى مجرية نشطة AGN، الكويزار، انفجارات أشعة غاما GRB.

كما ينشأ الإشعاع الكوني المجري من خارج النظام الشمسي، ويتكون من أنوية ذرية مؤينة مشحونة من البروتونات (87%) وجسيمات ألفا (12%)  والقليل من بعض الأنوية الذرية، وتتميز بطاقات حركية كبيرة للغاية (تصل إلى عدة آلاف من GeV لكل وحدة كتلة ذرية ((amu)).

2- الإشعاع الشمسي الكوني  Solar Particle Event SPE والذي يتكون من جسيمات مشحونة تنبعث من الشمس، وفي الغالب من الإلكترونات والبروتونات ونواة ذرة الهليوم، كما تنبعث بعض هذه الإشعاعات بشكل مستمر من هالة الشمس، مما دفع العلماء إلى تسميتها "الرياح الشمسية"، ويأتي الباقي من أحداث الجسيمات الشمسية -الانفجارات المفاجئة والمتقطعة للجسيمات المشحونة كهربائيًا مصحوبة بانبعاثات كهرومغناطيسية تحدث عندما تتمدد الحقول المغناطيسية على سطح الشمس وتلتف مثل الشريط المطاطي، ويمكن لحقول الشمس أن تنفجر  وتطلق فجأة طاقة هائلة وتسبب مخاوف صحية محتملة لرواد الفضاء في الفضاء، وعلى الرغم من ندرتها إلا أن التوهجات الشمسية القوية يمكن أن تؤدي في النهاية إلى انقطاع التيار الراديوي والتأثير على تكنولوجيا الاتصالات والملاحة الحديثة على الأرض.

3- يشتمل مجال الإشعاع حول الأرض على مصدر إشعاع ثالث وهي الجسيمات المحاصرة في الأحزمة الإشعاعية التي اكتشفها فان ألين؛ إذ إنها نتيجة تفاعل الأشعة الكونية مع المجال المغناطيسي للأرض والغلاف الجوي وتتكون أحزمة الإشعاع من إلكترونات وبروتونات وبعض الأيونات الثقيلة.

4-

الصورة من المصدر: https://www.iaea.org/newscenter/news/cosmic-radiation-why-we-should-not-be-worried

 

أحزمة فان ألن

إذ اكتشف الفيزيائي الأمريكي فان ألن عام 1958 خلال عمله في رصد معلومات عن الإشعاعات الكونية بوساطة عدّاد جايجر -موللر G-M المحمول على القمرين الصناعيين إكسبلورر وبايونير، وتحيط الأحزمة بالكرة الأرضية إحاطة السوار بالمعصم؛ حيث يرتفع الحزام الداخلي بين حوالي ألف وخمسة آلاف كيلومتر فوق سطح الأرض.

وأهم ما يميز الأرض عن باقي كواكب المجموعة الشمسية هو وجود الحقل المغناطيسي حولها؛ فهي تملك كثافة أعلى من باقي الكواكب وهذا القلب العظيم المكون لباطن الأرض والمكون من الحديد والنيكل هو المسئول عن الحقل المغناطيسي، و بتفاعله مع الجزيئات الناتجة عن الرياح الشمسية تحدد المجال المغناطيسي، وهذه الطبقة تمتد في اتجاه الشمس إلى ستة آلاف كيلومتر، أما في الاتجاه المعاكس فتكون ذيلاً يمتد إلى ملايين الكيلومترات؛ وهكذا فأغلب جزيئات الرياح الشمسية المتجهة للأرض يتم تحويل مسارها بفضل تواجد الحقل المغناطيسي، أما القلة القليلة من هذه الجزيئات التي تتمكن من اختراق الحاجز فإنها تسجن في حركة لولبية حول خطوط المجال المغناطيسي وتسافر بين القطب الشمالي والجنوبي، كما تعطينا منطقة غنية بالجزيئات الناتجة عن الرياح الشمسية وهذه المنطقة تسمى حزام أشعة فان ألان على علو ما بين 5000 – 25000 كم.

هل تصلنا الأشعة الكونية على الأرض؟

الأرض محمية بواسطة مجال مغناطيسي يجعل الجسيمات المشحونة ترتد من قطب إلى آخر، مما يخلق حزامين عملاقين على شكل كعكة دائرية تسكنها إلكترونات وبروتونات نشطة، إذ ينحرف الغلاف المغناطيسي عن الأشعة الكونية ويحمينا من التوهجات الشمسية، وفي بعض الأحيان يصل الإشعاع الكوني إلينا ولكن دون إحداث أي ضرر  مثل مستويات الإشعاع المنخفضة الأخرى التي نتعرض لها بانتظام، كما أنه في المتوسط ​يتعرض الناس لحوالي 3.5 ملي سيفرت من الإشعاع سنويًا، ويأتي حوالي نصف هذا من مصادر اصطناعية مثل الأشعة السينية والتصوير الشعاعي للثدي والأشعة المقطعية، بينما نحصل على النصف الآخر من مصادر طبيعية ويأتي حوالي 10 في المائة منها من الإشعاع الكوني، والسيفرت هو مقياس المخاطر الصحية للإشعاع: يحمل سيفرت فرصة 5.5%  للإصابة في نهاية المطاف بالسرطان الناجم عن الإشعاع في وقت لاحق من الحياة.

هل نتعرض للإشعاع الكوني أثناء الطيران؟

مما يجدر ذكره أن ركاب الطائرات يتعرضون لمستويات مرتفعة من الإشعاع الكوني، وبخاصة في الارتفاعات العالية وخطوط العرض؛ إذ إن الإشعاع الذي يتلقونه في رحلة واحدة ضئيل تمامًا، بينما يتعرض طاقم الطائرة والطيارون الدائمون لمستويات أعلى من جرعات الإشعاع القادمة من الفضاء بسبب عدد المرات التي يطيرون فيها، كما لن يتجاوز طاقم الرحلات التي تعمل عادةً على ارتفاعات منخفضة مثل معظم الطائرات التي تعمل بالوقود جرعة ملي سيفرت واحد في السنة، وعلى الرغم من ذلك فقد يتعرض أفراد الطاقم الذين يخدمون في مسارات قطبية طويلة المدى لجرعة سنوية فعّالة تصل إلى ستة ميلي سيفرت.

التأثيرات الصحية للأشعة الكونية

تختلف التأثيرات الصحية للأشعة الكونية باختلاف الارتفاع عن مستوى سطح الأرض، حيث تزيد المستويات الإشعاعية من الأشعة الكونية بالارتفاع عن مستوى سطح الأرض، كما أن أكثر الفئات تعرضا للإشعاع الكوني هم رواد الفضاء؛ حيث يتلقى طاقم الفضاء جرعة إشعاع أعلى، وعادة ما يتعرض رائد الفضاء على متن محطة فضائية تدور حول الأرض على ارتفاع 400 كيلومتر لجرعة تزيد عن نصف ميلي سيفرت في اليوم، وفي غضون 12 يومًا سيحصلون على نفس الجرعة التي يحصل عليها طاقم الطائرة في غضون عام، كما وضعت وكالات الفضاء الوطنية حدود الجرعات المهنية لرواد الفضاء، إذ يمكن  أن يكون هناك ترابطا بين التأثيرات الصحية مثل التسرطن الإشعاعي وتفاعلات نسيجية معينة بالتعرض للإشعاع الكوني عند رواد الفضاء، كما يمكن أن يزيد الإشعاع الكوني من مخاطر الإصابة بالسرطان خلال البعثات طويلة الأمد، ويمتد الضرر الذي يلحق بجسم الإنسان إلى الدماغ والقلب والجهاز العصبي المركزي ويمهد الطريق للأمراض التنكسية، حيث تم الإبلاغ عن نسبة مئوية أعلى من إعتام عدسة العين المبكر في رواد الفضاء، كما يحمينا المجال المغناطيسي للأرض والغلاف الجوي من القصف المستمر للأشعة الكونية المجرية -وهي جزيئات نشطة تنتقل بسرعة قريبة من سرعة الضوء وتخترق جسم الإنسان.

هل يمكننا الاستفادة من الإشعاع الكوني على الأرض؟

إن فهمنا للضرر الخلوي الناجم عن مستويات عالية من الإشعاع الكوني يمكن أن يساعد في تطوير التكنولوجيا لعلاج السرطان باستخدام مسرعات الجسيمات عالية الطاقة؛ وذلك بسبب خصائصها الفريدة، كما يمكن لحزم الجسيمات المشحونة -المشابهة لتلك الموجودة في الفضاء- تدمير الأورام العميقة مع تقليل الأضرار التي تلحق بالأنسجة المحيطة، إذ إن الرؤى المستمدة من العلاج الأيوني ستمكننا بدورها من تحسين الحماية من الإشعاع في الفضاء والتغلب على القيود الحالية في التنبؤ بالمخاطر الصحية للسفر في الفضاء لفترات طويلة.

إن الغلاف الجوي والدرع المغناطيسي للأرض يعملان على حمايتنا من أخطار الإشعاع الكوني، فالدرع المغناطيسي للأرض يحمينا من الإشعاع الكوني ويكون أقوى عند خط الاستواء وأضعف بالقرب من القطبين، وبالإضافة لذلك يقوم الدرع المغناطيسي بتحويل معظم الإشعاع حول الأرض، كما أن  الغلاف الجوي للأرض يحمينا من معظم الإشعاع المتبقي الذي ينتقل إلى الأرض، إذ يعتمد جزء من تعرضنا للإشعاع الكوني على الارتفاع الذي نعيش فيه ويتعرض الأشخاص الذين يعيشون على ارتفاعات أعلى  لإشعاع كوني أكثر بقليل من الأشخاص الذين يعيشون على ارتفاعات منخفضة.

كما أنه لولا الحماية الناتجة عن الغلاف الجوي لما تمتعت المحطة الفضائية والمركبات الفضائية بأي حماية طبيعية من الإشعاع الكوني، إذ تم إضافة درع خاص لمحطة الفضاء وكبسولات فضائية لحماية رواد الفضاء من المستويات الخطرة للإشعاع الكوني.

الأشعة الكونية والتغير المناخي

لقد تم تطوير نظرية جديدة تسمى علم المناخ الكوني وتقترح آلية طبيعية لتقلبات المناخ بواسطة Henrik Svensmark، ورئيس مركز أبحاث الشمس والمناخ في المركز الوطني الدنماركي للفضاء. و"من الواضح في ضوء جميع الأدلة المقدمة؛ إن تدفق الأشعة الكونية تمارس تأثير هام على مناخ الأرض، وأكثر تأثيرا من تلك التأثيرات التي تظهرها الزيادة الحديثة في CO2  بالغلاف الجوي؛ مما يجعل التقلبات في الشمس هي المرشح الرئيسي للتغيرات المناخية على  سطح للأرض"

كما أنه في عام 1995 اكتشف Henrik Svensmark علاقة مذهلة بين تدفق الأشعة الكونية من الفضاء والغطاء السحابي، فوجد أنه عندما تكون الشمس أكثر نشاطًا – فيعني ذلك المزيد من البقع الشمسية، والمجال المغناطيسي الأرضي القوي، والشفق القطبي الأكبر، والرياح الشمسية القوية وغيره الكثير- فإن عددًا أقل من الأشعة الكونية يضرب الأرض ويقل الغطاء السحابي؛ مما يؤدي إلى درجات حرارة أكثر دفئًا.

ولكن خلص العالمان تيري سلون من جامعة لانكستر والسير أرنولد ولفندال من جامعة دورهام سنة 2013 إلى أن التغييرات في نشاط الشمس وتأثيرها في حجب الأشعة الكونية لا يمكن أن يسهمان في ظاهرة الاحتباس الحراري.

 

المصدر

https://www.iaea.org/newscenter/news/cosmic-radiation-why-we-should-not-be-worried

https://www.iaea.org/ar/newscenter/news/lsh-lkwny-lmdh-ynbgy-l-nqlq-bllg-lnklyzy

 

 

تواصل مع الكاتب: omardesouky@yahoo.com​

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي


يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

     

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

0 التعليقات

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */