للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

اسهامات العلماء العرب والمسلمين في مجال الطب النفسي وعلم الأعصاب

  • الصغير محمد الغربي

    صحفي علمي

  • ما تقييمك؟

    • ( 4.5 / 5 )

  • الوقت

    09:03 ص

  • تاريخ النشر

    03 أكتوبر 2022

يعترف المستشرقون ومؤرخو العلم الغربيون بأهمية الدور الذي قامت به الحضارة العربية الإسلامية وعلماؤها في مجال تطور الطب الحديث. وقد ظل بعض أكبر المؤلفات الطبية للعلماء المسلمين متداول في كليات الطب حتى القرن السابع عشر. لكن ورغم أهمية الإضافة الكبيرة التي قدمها العلماء المسلمين في مجال الطب النفسي وعلم الأعصاب فإن إسهاماتهم لم تلق نفس القدر من الاهتمام.

في ورقة علمية نشرت مؤخرا على موقع (AfricArXiv) قام الدكتور وائل محمد من كلية الطب بجامعة المنوفية بإلقاء الضوء على أهم الإنجازات التي قام بها العلماء العرب في مجال الطب النفسي خلال الفترة الذهبية للحضارة العربية الإسلامية، مبينا ريادة الطب النفسي الإسلامي والعربي الذي شهد وضع منهج تجريبي فريد لدراسة العقل وتطوير أول نهج إكلينيكي للأمراض العقلية، إضافة إلى إنشاء أول مستشفيات للأمراض العقلية في التاريخ.

علم النفس الإسلامي

يقول المؤلف إن مصطلح علم النفس الحديث ظهر في القرن التاسع عشر في سياق ما قبل الحداثة، وهو يشير إلى دراسة العقل والسلوك البشري، بينما يشير مصطلح "العقل" إلى العقل والوعي البشري. لكن علم النفس الإسلامي الذي ظهر قبل ذلك بقرون لم يتعامل مع العقل فقط، بل كتب العلماء العرب والمسلمون الأوائل كثيرا عن علم النفس البشري، مستخدمين مصطلح النفس (النفس أو الروح) للإشارة إلى الشخصية الفردية ومصطلح الفطرة(الطبيعة) للدلالة على الطبيعة البشرية. ويشير علم النفس الإسلامي بحسب الكاتب إلى " دراسة النفس وهو يرتبط بعلم النفس والطب النفسي وعلوم الأعصاب". ويعرف العلاج النفسي في الطب الإسلامي ببساطة بكون دراسة المرض النفسي حيث يتعامل مع علاج الأفكار والروح والعقل. وتمت الإشارة إلى الطبيب النفسي باسم الطبيب الروحاني أو طبيب القلب.

بحسب الباحث فقد أولى الطب الإسلامي أهمية خاصة للصحة النفسية للإنسان، فتم بناء أول مستشفى للأمراض النفسية ومصحات الجنون في العالم الإسلامي في بغداد عام 705، ثم في مدينة فاس بالمغرب في القرن الثامن، والقاهرة عام 800، ودمشق وحلب عام 1270. وكانت أكثر السمات المميزة للعلاج النفسي عند الأصباء المسلمين في العصور الوسطى هي استخدام الملاحظات السريرية للمرضى النفسيين، مما أدى إلى توفير تطبيقات رائدة في العلاج الأخلاقي، والعلاج الدوائي، والعلاج بالموسيقى والعلاج الوظيفي.

علم الأعصاب وعلم النفس

قدم الطبيب المسلم أحمد بن سهل البلخي (850-934) مفاهيم الصحة النفسية في كتابه "مصالح الأبدان والأنفس"، الذي كان أول كتاب ناقش الأمراض النفسية الجسدية مع التركيز على العقل والجسد. وكتب أنه «إذا مرضت النفس فقد لا يجد الجسم أية متعة أيضاً وقد يتطور في النهاية إلى مرض جسدي». وقد تعرف البلخي على نوعين من الاكتئاب: أحدهما ناجم عن أسباب معروفة (أسباب فسيولوجية) يمكن معالجتها من خلال الطب الطبيعي؛ والآخر ناتج عن أسباب غير معروفة يمكن معالجتها نفسيا.

إلى جانب البلخي، كان العالم والطبيب والفيلسوف الشهير محمد بن زكريا الرازي (864-923م) من أوائل الأطباء الذين وصفوا علاجات للأمراض النفسية. شكل كتاباه "المنصوري في الطب" و"الحاوي في الطب" علامة أساسية في وصف المرض النفسي في القرن العاشر وقدم من خلالهما تعريفات وأعراض وعلاجات للمشاكل المتعلقة بالصحة العقلية والأمراض العقلية.

عندما تم تعيين الرازي كطبيب عام في مستشفى بغداد، جعله أول مستشفى في التاريخ يحتوي على جناح مخصص للمرضى النفسيين. كما يعتبر، وفق المؤلف، أول من جمع بين الأساليب والتفسيرات النفسية واستخدم العلاج النفسي بطريقة قابلة للتطبيق. فقد تم استدعاؤه ذات مرة لعلاج الخليفة العباسي الذي كان يعاني من التهاب المفاصل الحاد. نصحه الرازي بحمام ساخن، وبينما كان الخليفة يستحم، هدده الرازي بسكين، معلنا أنه سيقتله. أدى هذا الاستفزاز المتعمد إلى زيادة السعرات الحرارية الطبيعية، وبالتالي خلق قوة كافية لإذابة الأخلاط المخففة بالفعل. ونتيجة لذلك، نهض الخليفة من ركبتيه في الحمام وركض خلف الرازي.

علم النفس التجريبي

واعتبر الكاتب أن عالم البصريات ابن الهيثم (965-1040م) هو مؤسس علم النفس التجريبي والفيزياء النفسية (Psychophysics) مع كتابه المتميز في سيكولوجية الإدراك البصري "كتاب المناظر". وكان ابن الهيثم أول عالم جادل بأن الرؤية تحدث في الدماغ وليس في العينين، وأن التجربة الشخصية تؤثر على ما يراه الناس وكيف يرونه، وأن هذه الرؤية والإدراك هي مشاعر ذاتية

كما ذكر أن أبو الريحان البيروني (973-1048م) كان رائدا في علم النفس التجريبي لأنه أول شخص يصف تجريبيا مفهوم زمن رد الفعل. وناقش علي بن عباس المجوسي (930-982 م) كيف يمكن للجوانب الفسيولوجية والنفسية للمريض أن تؤثر على بعضها البعض في كتابه الشهير "كامل الصناعة الطبية". ووجد علاقة بين الصحة النفسية والجسدية للأشخاص، وخلص إلى أن السعادة والرضا يمكن أن يجلبا حالة معيشية أفضل للكثيرين ودون ذلك لا ذلك سيكونون مرضى وبائسين بسبب الحزن والخوف والقلق". كما أنه أول شخص يناقش بالتفصيل الاضطرابات العقلية مثل مرض النوم وفقدان الذاكرة والغيبوبة والتهاب السحايا والدوار والصرع وشلل نصفي. علاوة على ذلك، أكد على الحفاظ على الصحة من خلال النظام الغذائي والعلاج الطبيعي بقدر ما هو عن طريق الأدوية.

علم النفس الفسيولوجي

وكان ابن سينا (981-1037) أحد أعظم الأطباء في التاريخ، رائدا في علم النفس الفسيولوجي والطب النفسي الجسدي، وهو أول من استخدم "علم النفس الفسيولوجي" في علاج الأمراض التي تنطوي على العواطف، وطور نظاما لربط التغييرات في معدل النبض بالمشاعر. كما أنه أول من وصف العديد من الحالات العصبية والنفسية، بما في ذلك الأرق والهوس والهلوسة والكابوس والخرف والصرع والسكتة الدماغية والشلل والدوار والكآبة والرعشة.

وقد خصص ابن سينا ثلاثة فصول من كتابة الشهير "القانون في الطب" للاضطرابات العصبية والنفسية. وعرفّ الجنون بأنه اضطراب عقلي يستبدل فيه العقل الواقع بالخيال. مؤسس علم التحليل النفسي من خلال توسيعه لنظرية المزاج لتشمل العقلية والعواطف والأخلاق والوعي الذاتي والحركات والأحلام.

ويعتبر ابن سينا، وفق الدراسة، أول من قام بتشخيص مرض العشق عندما كان يعالج مريضا من خلال تحسس نبض المريض أصناء ترديد أسماء المقاطعات والنواحي والبلدات والشوارع والأشخاص أمامه بصوت عال. ولاحظ التغيرات في نبض المريض وقرر أن المريض كان يحب فتاة تمكن ابن سينا من تحديد مكان منزلها من خلال فحص نبض المريض. كما ربط ابن سينا أيضا بين الأمراض الجسدية والنفسية حيث وصف الاكتئاب كنوع من اضطراب المزاج مع الرهاب المميز المرتبط به. وأشار إلى الغضب كعامل في تطور الكآبة إلى الهوس. واكتشف حالة تشبه الفصام ووصفها بأنها جنون مفرط مع أعراض مميزة مثل الإثارة واضطراب السلوك والنوم، وإعطاء إجابات غير ملائمة للأسئلة وعدم القدرة على الكلام في بعض الأحيان. كتب أنه يجب تقييد هؤلاء المرضى لتجنب أي ضرر قد يتسببون فيه لأنفسهم أو للآخرين.

اكتشف ابن سينا دودة المخيخ والنواة المذنبة التي سماها نواة الذيل. لا تزال هذه المصطلحات تستخدم في علم التشريح العصبي الحديث وعلم وظائف الأعضاء العصبية. علاوة على ذلك، كان أول شخص يربط الاختلالات الفكرية بالعجز في البطين الأوسط والفص الجبهي للدماغ، مما يؤدي إلى الحس السليم والتفكير المنطقي. وقام ابن سينا أيضاً بتشخيص شلل العصب الوجهي، مميزاً بين الشلل واحتقان الدم. كما شخص التهاب السحايا على أنه مرض يسببه الدماغ نفسه، مما يميزه عن مرض الدماغ المعدي.

عالم كبير آخر كان رائدا في علم النفس الاجتماعي هو أبو نصر الفارابي (874-950م). كان الفارابي أول من ذكر أن المرء يعجز عن بلوغ الكمال لوحده لذلك يحتاج للمساعدة من باقي الأفراد فالإنسان بطبيعته يميل للتعاون مع غيره حتى يؤدي واجباته "فحتى يقرب المرء من الكمال المنشود، عليه أن يظل بالقرب من غيره من الناس وأن يقترن بهم حتى ينال منهم عونهم". علاوة على ذلك، ناقش الفارابي الآثار العلاجية للموسيقى على الروح في مقالته "معاني العقل". وكان كتابه "آراء أهل المدينة الفاضلة"، أول كتاب يميز بين تفسير الأحلام وطبيعة وأسباب هذه الأحلام.

جراحة الاعصاب

وفي مجال جراحة الأعصاب يعتبر الطبيب الأندلسي أبو القاسم الزهراوي (936-1013) أب الجراحة الحديثة حيث طور العديد من الأدوات والتقنيات التي لا تزال مستخدمة في جراحة الأعصاب حتى يومنا هذا. وفي عهده، أصبحت جراحة المخ والأعصاب في العالم الإسلامي تخصصا مرموقا يمارسه أطباء مرموقون، وفق مؤلف الدراسة.

وكان ابن زهر (1072-1162م) أول من قدم وصفاً دقيقاً للاضطرابات العصبية بما في ذلك التهاب الوريد الخثاري داخل الجمجمة وأورام الخلايا الجرثومية المنصفية. واقترح ابن رشد (1126-1198م) وجود مرض باركنسون وأشار إلى خصائص مستقبلات الشبكية للضوء. وكتب موسى بن ميمون (1138-1204) عن الاضطرابات العصبية والنفسية ووصف داء الكلب وتسمم البلادونا.

أجرى الطبيب المصري ابن النفيس (1213-1288م) أول تشريح معروف على دماغ الإنسان وقام بتصحيح بعض النظريات الخاطئة لجالينوس وابن سينا حول تشريح الدماغ.

وفي مجال التخدير، يقول المؤلف إن الأطباء العرب قدموا وصفاً تفصيلياً لعلم الأدوية المخدرة المهمة مثل الأفيون والحشيش. وتم تقديم الإسفنج المخدر لأول مرة من قبل العرب، وكان يستخدم عادة للتخدير في العصور الوسطى من خلال نقعه بالمواد العطرية والمخدرات ليتم امتصاصه ثم وضعه تحت فتحة الأنف مما يؤدي إلى التخدير قبل الجراحة.

استنتج الدكتور وائل محمد أن العالم العربي الإسلامي أضاف الكثير إلى الإنجازات التي سبقت العصر الذهبي للحضارة العربية الاسلامية في مجال الطب، بما في ذلك الطب النفسي وعلم الأعصاب، وعزز شعلة الحضارة وجعلها أكثر تألقا قبل أن يسلمها إلى أوروبا. ورغم مرور حوالي عشرة قرون فإن هذه الإنجازات ما زالت تبدو حديثة بشكل مذهل.

 

المصدر

Arab and Muslim Contributions to Modern Neuroscience
> https://osf.io/preprints/africarxiv/q4dsm

 


تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com​

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي


يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

      

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

1 التعليقات

  • شنة قويدر05 أكتوبر, 202210:09 م

    العلم و العلماء

    إذا قُدِّم العلم بطريقة جيدة، فإنه عادة ما يكون ممتعا للجمهور، لكن لو تأملت قليلا في أعمال أشهر كُتِّاب العلوم، مثل براين جرين أو نيل ديجراس تايسون أو جون جريبين أو بول ديفيس، لوجدت أن جزءا كبيرا من المتعة يأتي في سياق حكاياتهم عن تاريخ نظرية أو حقيقة علمية ما، في الواقع فإن كل كاتب محترف يعرف جيدا أن دفع القرّاء إلى السفر في الزمن وصولا إلى جذور اكتشاف ما له تأثير مهم على قدر اهتمامهم.م

    رد على التعليق

    إرسال الغاء

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */