تسلّط هذه المقالة الضوء على أهم أحداث الذكاء الاصطناعي التي وقعَت في عام 2022.

إنّ المراقب لوتيرة تطوّر أنظمة الذكاء الاصطناعي خلال عام 2022، يستطيع القول إنّ العام الحالي 2023 سيشهد إنجازاتٍ غير مسبوقة. فقد خلّفت السنة الماضية، وراءها العديد من المحطات الهامة. وقد كان الذكاء الاصطناعي أحد أكثر المصطلحات المستخدَمة على نطاقٍ واسعٍ في سوق التكنولوجيا العالمي. حيث خرجت هذه التقنية من دائرة الأبحاث، وبدأت بشقّ طريقها إلى التطبيقات التجارية، ما سمح لملايين المستخدمين بتجربة هذه التقنية عن قرب في العديد من النماذج. في هذه المقالة، سنلقي نظرة على أهمّ محطات الذكاء الاصطناعي التي جرت خلال عام 2022.

دال-إي 2 (DALL-E 2)  للصور

في شهر أبريل، أعلنت شركة "أوبن أيه آي" (OpenAI) عن نظام "دال-إي 2"، وهو أحدث شبكاتها العصبونية الجديدة لتوليد الصور، والتي تستطيع إنشاء صور عالية الدقة لأيّ شيءٍ يُطلب منها تقريبًا، من خلال وصفٍ مكتوبٍ بلغةٍ طبيعية. وقد تمّ تدريب "دال-إي 2" على مئات الملايين من الصور المأخوذة من الإنترنت، وتمكّن من صنع مجموعات جديدة من الصور بفضل تقنية "الانتشار الكامن" (Latent Diffusion) لتعلّم الارتباطات بين الكلمات والصور. وبذلك يمكن للمستخدمين كتابة وصفٍ نصّي يدعى الموجه (Prompt) ثم رؤية الصورة بعد لحظاتٍ بدقة 1024×1024 بكسل. وسرعان ما امتلأ موقع تويتر بصور رواد الفضاء على ظهور الخيل، ودمى الدببة التي تتجول في مصر القديمة، وغيرها من الأعمال الواقعية.

ونظرًا للمخاوف المتعلّقة بإساءة الاستخدام، سمحت "أوبن أيه آي" في البداية لـ  200 شخص فقط اختبار الإصدار التجريبي، ومن ثمّ تمت إتاحته لأكثر من مليون شخص في تجربة مغلقة، ليصبح متاحًا للعموم في أواخر سبتمبر.

برنامج لامدا (LaMDA)

في أوائل شهر يونيو من عام 2022، نشرت صحيفة "ذا واشنطن بوست" الأميركية خبرًا يفيد أنّ مهندسًا في جوجل وهو "بليك ليموين" ادّعى أن برنامج "لامدا" وهو نظام دردشة مدعوم بتقنية الذكاء الاصطناعي، أصبح حسّاسًا من الناحية العاطفية. وهذا ما جعل "جوجل" تجبره على أخذ إجازةٍ مدفوعة الأجر. وأثناء عمله كجزءٍ من فريق الذكاء الاصطناعي لدى الشركة، بدأ ليموين دردشةً مع لامدا حول الدين والفلسفة واعتقد أنه رأى الذكاء البشري الحقيقي وراء النص. وقال ليموين لصحيفة "ذا واشنطن بوست" الأميركية: "لم أكن أعرف بالضبط ما هو البرنامج الذي أنشأناه مؤخراً، كنت سأظنّ أنه طفل يبلغ من العمر 7 أو 8 سنوات يعرف الفيزياء".

أمّا جوجل، فقد أعلنت أنّ خبراء الأخلاقيات والتقنيين العاملين لديها، قد قاموا بمراجعة ادّعاءات المهندس ليموين، ولم يجدوا أيّ أدلة تدعمها، مشيرةً إلى أنّ لامدا قام فقط بتقليد النصوص التي يكتبها البشر، وهذه النصوص هي عبارة عن بياناتٍ تم استخدامها لتدريبه، وقد أجاب من خلال التنبؤ بالكلمات الأكثر ترجيحًا، وهو لا يعي ذلك.

الشبكة العصبونيّة ألفا فولد (AlphaFold)

في يوليو، أعلنت "ديب مايند" التابعة لجوجل أنّ نموذج "ألفا فولد أيه آي" الخاص بها، قد تنبأ ببنية كل بروتين معروفٍ تقريبًا لكلّ كائنٍ حي على الأرض تقريبًا مع جينوم متسلسل، مما يمكّن العلماء من الوصول الفوري إلى معلوماتٍ متعمّقة حول اللبنات الأساسية للحياة. وكان "ألفا فولد" قد توقّع في عام 2021 بنية البروتيوم البشريّ بأكمله تقريبًا (والبروتيوم هو إجمالي البروتينات التي يعبِّر عنها الكائن الحيّ). ولكن بعد عامٍ واحدٍ، توسّعت قاعدة بيانات البروتين الخاصة بألفا فولد لتشمل أكثر من 200 مليون بنية بروتينية.

وقد أتاحت شركة "ديب مايند" هذه الهياكل البروتينية المتوقعة ضمن قاعدة بياناتٍ عامة، مما يسمح للباحثين من جميع أنحاء العالم بالوصول إليها واستخدام البيانات في الأبحاث المتعلّقة بالطب والعلوم البيولوجية. ويمكن أن تساعد معرفة أشكال البروتينات العلماء في التحكّم بها أو تعديلها. وهذا سيكون مفيدًا بشكلٍ ملحوظ عند تطوير  عقاقير جديدة، لا سيما وأن تصميم العقاقير وطرحها في الأسواق خلال السنوات القليلة الماضية قد تمّ من خلال معرفة بينية البروتين بحسب ما ذكرت "جانيت ثورنتون" العالمة البارزة في معهد المعلوماتية الحيوية الأوروبي (embl-ebi).

ستيبل ديفيوجن (Stable Diffusion)

أصدرت شركتي "ستابيليتي أيه آي" (Stability.AI) و"كومبفس" (CompVis) في أغسطس، أداة "ستيبل ديفيوجن" تتيح لأيّ مستخدمٍ إمكانية توليد صور وذلك اعتمادًا على تعليماتٍ مكتوبة. وهذه الأداة مشابهة لنموذج نظام "دال-إي 2" الذي تم ذكره أعلاه، مع ذكر أن "ستيبل ديفيوجن" هو مشروع مفتوح المصدر. ومع ذلك، لم يتمّ الترحيب كثيرًا بهذا الانجاز، حيث برزت العديد من الانتقادات، بينها إمكانية استخدام الصور بدون إذنٍ أو إسناد إلى أصحاب الأعمال الفنية، ما يثير تساؤلاتٍ حول حقوق النشر والأخلاقيات. وكذلك طفت مخاوف ذات صلة بخسارة الفنانين لأعمالهم مع إقبال الناس الشديد على استخدام الصور التي يولّدها الذكاء الاصطناعي.

فوز فن الذكاء الاصطناعي في مسابقة

دخل أحد سكان ولاية كولورادو الأميركية في أوائل شهر أغسطس، بثلاث صور تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي وذلك للمشاركة في مسابقةٍ فنية. وقد جرى الإعلان عن فوز أحد هذه اللوحات بالجائزة الأولى في المسابقة عن الفئة الرقمية. ولإنشاء أعماله استخدم المشارك في المسابقة برنامج "Midjourney" للذكاء الاصطناعي، وهو نظامٌ شبيه لـ"ستيل ديفيوجين"، وقام بطباعة الصور على قماش ومن ثم قدمّها للمسابقة. وقد أثار هذا الانتصار الرمزي للذكاء الاصطناعي نقاشًا حادًا على منصات التواصل الاجتماعي حول طبيعة الفن وما يعنيه أن تكون فنانًا. وبالمثل، تبع ذلك اندلاع معركةٍ ثقافية كبيرة حول أخلاقيات العمل الفني الناتج عن الذكاء الاصطناعي. ويرى المبرمجون الذين يقفون وراء هذا النوع من البرامج، أنّ توليد صور عبر هذه التقنية، هو خطوة إيجابية، لكنّ الفنانين الذين تدربوا على مدى عقودٍ على الرسم يرون أنها تشكل خطرًا وجوديًا. ولا يبدو أنّ هذا الجدل قد يتمّ تسويته في المدى المنظور.

سيسيرو (Cicero): نظامٌ يتقن لعبة ديبلوماسي

أعلنت شركة ميتا في أواخر نوفمبر من عام 2022، عن "سيسيرو" وهي أداة ذكاء اصطناعي، يمكنها التغلب على البشر في لعبة "ديبلوماسي" (Diplomacy) وهي لعبة استراتيجية مشهورة يتنافس فيها 7 لاعبين بغية السيطرة على أوروبا بتحريك عدة قطعٍ على خريطة. وقد تمّ ذلك من خلال ورقة بحثية تم نشر توصيفها في مجلة ساينس (Science).

وهذا يعدّ تطوّرًا ملحوظًا لأن اللعبة غير مقتصرة فقط على قيام اللاعبين بتنفيذ حركاتهم في نفس الوقت، بل تتطلّب إقناعًا وتعاونًا ومفاوضات واسعة النطاق مع لاعبين آخرين للفوز باللعبة. ولإكساب سيسيرو المهارات اللازمة، عملت ميتا على دمج نوعين مختلفين من الذكاء الاصطناعي، وهما نموذج تعلم معزز لحساب الحركات التي سيقوم بها، ونموذج لغوي كبير يتفاوض مع اللاعبين الآخرين. كما طوّرت الشركة مكونًا استراتيجيًا يمكنه النظر إلى حالة اللعبة والتنبّؤ بكيفية لعب اللاعبين الآخرين، ثم التصرّف وفقًا لذلك.

وعلى الرغم من أن أداة سيسيرو قامت بإرسال رسائل تحتوي على أخطاء أحيانًا، ومناقضة للخطط الخاصة بها، أو ارتكاب أخطاء استراتيجية فادحة. غير أنّ ميتا قالت إنّ البشر كانوا يفضّلون التعاون معها على التعاون مع البشر الآخرين في أغلب الأحيان.

محادثات تشات جي بي تي (ChatGPT) مع العالم

أعلنت شركة "أوبن أيه آي" عن "تشات جي بي تي" في آخر شهر نوفمبر، وهو نموذج لغوي قائمٌ على تقنية الذكاء الاصطناعي، جرى تدريبه على كمياتٍ هائلة من النصوص عبر الانترنت وذلك حتى يستطيع التفاعل مع المستخدمين. ويوفّر "تشات جي بي تي" للمستخدمين تقديم تعليمات، أو تساؤلات بسيطة ومعقّدة ليقوم بتقديم إجابات تفصيلية. كما ذكرت الشركة انّه يستطيع مواصلة المحادثة والإجابة على أسئلة مرتبطة بالسؤال الرئيسي نفسه، وأنّه يعترف في حال ارتكاب خطأ. وبعد 5 أيامٍ من إطلاقه، قال الرئيس التنفيذي للشركة وهو "سام آلتمان" إنّ النظام الجديد قد وصل إلى أكثر من مليون مستخدم. وقد استعان به الناس للمساعدة في البرمجة، وإنشاء الوصفات، وكتابة الشعر، وغيرها من المهام.

وأشارت أوبن أيه آي في بيانٍ لها إلى إنها اعتمدت على التعلّم المعزز القائم على الاستجابة البشرية (RLHF)، حيث قام أشخاصٌ بصياغة محادثاتٍ يؤدّون فيها دور الإنسان أحيانًا، ودور نظام ذكاء اصطناعي أحيانًا أخرى. وقد تمّ تزويد المدربين بنصوصٍ معدة سلفًا ومولّدة بالذكاء الاصطناعي لمساعدتهم حين تأدية دوره. ومن ثم عمل الباحثون على ضبط قدرات النظام وذلك من خلال المقارنة بين مختلف الإجابات واختيار المناسب منها. وهذا ما مكّن البرنامج من الإجابة على الأسئلة، واكتشاف الأخطاء، وما إلى ذلك.

تواصل مع الكاتب: m.maaz@arsco.org​

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة