للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

اللغة العربية العلمية

  • د. بلخيري ناجي

    أستاذ محاضر/قسم الكيمياء كلية العلوم الدقيقة بجامعة زيان عاشور بالجلفة – الجزائر

  • ما تقييمك؟

    • ( 5 / 5 )

  • الوقت

    10:41 ص

  • تاريخ النشر

    18 ديسمبر 2023

تتمتع اللغة العربية بجمالية وقوة تعبيرية جعلها تسهم بشكلٍ كبيرٍ في تطور العلوم والمعرفة على مر التاريخ. فقد كان للعرب دور حيوي في ترجمة ونقل معرفة الحضارات القديمة، مثل الإغريقية واليونانية، واستفاد الغرب بشكلٍ واسعٍ من هذه الترجمات في تقدّمه العلمي والفكري. وعندما نناقش جمالية اللغة العربية وإسهاماتها، نجد أنفسنا غالبًا نركّز على الماضي الذي يعكس بالطبع حبنا وتقديرنا لتلك الفترة وتأثيرها البارز على التاريخ الإنساني. ومع ذلك، ينبغي علينا أن نضع شمعدان الإنجازات الماضية على جانب، ونواجه التحديات الحالية بشجاعةٍ وتصميم.

اليوم العالمي للغة العربية

إنّ الحفاظ على تراثنا وتقديره لا يعني أن ننغمس في التاريخ، تاركين باب العمل على تطوير لغتنا واستعادة مكانتها العلمية. لذا، فإنّ الحديث عن الماضي وإشادته لا يجب أن يكون مجرّد "بكاءٍ على الأطلال"، بل دافعاً لنا للنهوض والتحسين، والمضي قدمًا، وتطوير استخدام لغتنا العربية في مجالات العلوم والتقنية. إن استعادة المكانة العلمية للغتنا العربية يستلزم تعاوناً شاملاً بين المؤسسات التعليمية والحكومية والمجتمع العربي بأسره، وتمكين دورها العلمي والثقافي في عالمنا المعاصر. وتحقيق هذه الرؤية يتطلّب العمل الجماعي والتفاني وترسيخ الوعي بأهمية اللغة العربية وتشجيع استخدامها في المجالات العلمية والتقنية.

وعملية تطوير اللغة العربية ليست مجرد مسؤولية الجهات الرسمية، بل تشمل أيضاً المثقفين، والكتّاب والأكاديميين والمهتمين بالثقافة العربية، الذين يجب عليهم العمل سويًا على تعزيز البحث اللغوي والأدبي والترجمة العلمية، وتطوير قواميس ومعاجم عربية شاملة تلبّي احتياجات الوقت الحالي. مما سيكون له تأثير عميق على الرقي بالمجتمع العربي، وجعل مشاركته فعّالة في مختلف المجالات العلمية والتقنية العالمية. إنّه وقت التفكير الابتكاري واتخاذ الخطوات العملية لبناء مستقبلٍ أفضل للغة ولأمتنا العربية، خصوصا أنها لغة تضمّ كل عناصر القوة والبقاء والسيطرة ونذكر من بين هذه المقومات:

قاعدة نظرية

قواعد النحو والصَرف في اللغة العربية تعتبَر الأساس النظري الذي يحكم تركيب الجمل وتحليلها، فالنحو يُعنى بترتيب الكلمات وبناء الجمل، بينما الصَرف يتعلق بتغيير أشكال الكلمات بناءً على الزمن والعدد والمضارع وغيرها من العوامل. بالإضافة إلى ذلك، يوجد أيضاً قواعد للإعراب والتعبير عن العلاقات النحوية بين الكلمات في الجملة.

نظام كتابة

يجب أن تتوفر أيّ لغة على نظامٍ موحّد للكتابة يتيح التواصل وتوثيق المعرفة، وأن يكون لديها أبجدية أو مجموعة محددة من الرموز المتفق عليها. ونجد أنّ اللغة العربية تلبي هذا الشرط، فهي تعتمد على أبجدية تتكون من 28 حرفًا، متفرّعة من عدد أقل من الرموز، فمثلاً حروف الباء والتاء والثاء والنون والياء، كلها تفرعت من رمز الصحن وحرفَي الراء والزاي من رمز المنجل، وهكذا نجد ستة عشر رمزاً تولّد عنها 28 حرفاً، لها تشكيل متغير، وطريقة وصل لتكوين الكلمات تختلف حسب موضع الحرف داخلها. ونذكر هنا أنّ الحروف العربية قد تمتعت بمرونة وسلاسة سمحتا سنة 1980 للعالم الجزائري بشير حليمي بإضافة اللغة العربية إلى الحواسيب، ليحقّق بذلك إنجازاً مهماً يدعم التواصل والتفاعل باللغة العربية في العصر الرقمي ويسهم في تطوير المجتمعات العربية.

القدرة على التعبير العلمي

تتمتع اللغة العربية بقدرةٍ كبيرة على التعبير عن المفاهيم العلمية بدقة ووضوح لأنها تحتوي على مفردات وتراكيب لغوية تسمح بنقل الأفكار والمعلومات العلمية بشكلٍ صحيح ومناسب. ونذكر هنا، مثالاً عن كلمة الجبر (Al-Jabr): التي يعود فيها أصل هذا المصطلح إلى الكلمة العربية "الجبر"، والتي تعني "التعويض" أو "الترميم". وقد تمّ تطوير فكرة الجبر بواسطة عالم الرياضيات العربي الشهير محمد بن موسى الخوارزمي.

التنمية اللغوية

اللغة العربية قابلة للتطوّر والتكيّف مع التطوّرات العلمية الحديثة فهي تستوعب المصطلحات والمفاهيم الجديدة، وتُطوّر المفردات والتراكيب اللغوية اللازمة للتعبير عن جديد العلوم.

الثقافة العلمية

تعتبر اللغة العربية حاملةً لثقافةٍ عريقة ومتنوعة في مختلف المجالات التي تمتد لآلاف السنين، وتتربّع على إرثٍ غني من الكتب والمؤلفات العلمية التي تشمل مجالات علمية شتى. غير أنّ المتتبّع للتاريخ العربي الحديث يجد أنّ الاستعمارات التي توالت على المنطقة تركت أثرها العميق على اللغة العربية، بأَن زاحمتها بلغاتها الخاصة كلغاتٍ رسمية وعلمية، مما أثّر على مكانة اللغة العربية في مجالات العلوم التقنية. وأكثر من ذلك، فإنه بعد خروج الاستعمار، استمر توظيف اللغات الأجنبية في البلدان العربية في المجالات الحكومية والتعليمية والعلمية، فأدى ذلك إلى تقليل استخدام اللغة العربية في تلك المجالات وتقوية وجود لغات أخرى.

ومع ذلك، يجب أن نكون متفائلين ونجزم أنّ استعادة المكانة العلمية للغة العربية ليست بالأمر المستحيل، لما نراه من جهودٍ تُبذَل في بعض البلدان العربية لدعم توظيفها في المجالات العلمية والتقنية. على سبيل المثال، يتم ترجمة الأبحاث العلمية والتقنية ونشرها في المجلات العلمية العربية، وتنظيم المؤتمرات، والندوات باللغة العربية لتبادل المعرفة والخبرات. بالإضافة إلى ذلك، يتم تشجيع التعليم باللغة العربية في المؤسسات التعليمية والجامعات، وملاءمة المناهج التعليمية بحيث تشمل مفردات تقنية عربية متخصصة. كلّ هذه الجهود النبيلة تهدف إلى تمكين اللغة العربية وجَعل لها قدماً في المجالات العلمية والتقنية وتعزيز استخدامها كلغةٍ رسمية وعلمية. وإضافةً لما سبق ذكره، ننوه إلى أن هناك عوامل سياسية واقتصادية يمكن أن تؤثر أيضاً وبشكلٍ ملموس على تمكّن اللغة العربية من فرض نفسها في مجالات العلوم التقنية، نسرد منها:

الدعم الحكومي والتشريعات

تلعب الدولة دوراً هاماً في دعم اللغة العربية في المجالات العلمية والتقنية، حيث يمكن للحكومات أن تتبنى سياسات وبرامج لتشجيع استخدام اللغة العربية في البحوث والتطوير والابتكار، كمنح الدعم المالي والتقني للأبحاث والمشاريع التقنية التي تستخدم اللغة العربية كوسيلةٍ للتواصل والتوثيق.

التعليم والتدريب

يجب أن يتم توفير التعليم والتدريب المناسب للطلاب والباحثين باللغة العربية في مجالات العلوم التقنية بتوفير برامج تعليمية متخصصة، ودوراتٍ تدريبية عربية في المجالات التقنية المتقدمة، وذلك لتمكين الباحثين والمهنيين الناطقين بالعربية من الاستفادة من المعرفة والتكنولوجيا الحديثة.

النشر العلمي والمؤتمرات

يُعتبر النشر العلمي والمشاركة في المؤتمرات العلمية باللغة العربية أمراً هاماً لتقوية تواجد اللغة العربية في المجالات العلمية والتقنية. لذلك، ينبغي تشجيع الباحثين العرب على نشر أبحاثهم باللغة العربية في المجلات العلمية المحكمة، وتنظيم المؤتمرات والندوات التقنية باللغة العربية لتبادل المعرفة والخبرات.

الاقتصاد والصناعة

يمكن أن يؤثّر التطور الاقتصادي والصناعي في تمكن اللغة العربية في المجالات التقنية، بتوفير البنية التحتية، والدعم المالي للشركات الناشئة، والمشاريع التقنية العربية، وذلك لتشجيع الابتكار والتطوير التقني باللغة العربية للتجهيزات والمواد والأدوية وغيرها، وجعل كل دفاتر الدليل أو دورات التكوين عليها لغير العرب متاحة باللغة العربية. إنّ اللغة العربية لغةٌ تحمل في طياتها كل عناصر القوة والبقاء والسيطرة. ولتستعيد مكانتها العلمية علينا جميعا أن نستعد للتحديات الحالية بشجاعةٍ وتصميم، ولنستلهم من إرثنا العربي العظيم، ولنعمل معاً لتحقيق طموحاتنا في تطوير ورفعة لغتنا العربية، وبذلك نسهم في تقدم المعرفة والحضارة العربية والعالمية.

 

المراجع

1- https://www.aljarida.com/articles/1600703252108384400
2- https://alarab.co.uk/sites/default/files/2023-09/10_24.pdf
3- http://arabpsynet.com/Samarrai/DocSamarraiWaMaSawahaa89-28915.pdf
4- https://multaqaasbar.com/
5- https://ohioinarabic.com/


تواصل مع الكاتب: belkheirinadji@yahoo.fr

 


يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

       

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

1 التعليقات

  • موزة بنت محمد الربان19 ديسمبر, 202301:47 م

    اقتراحات مهمة

    شكرا لك دكتور بلخيري ناجي على استجابتك ومشاركتك بهذا المقال عن اللغة العربية وما حوى من مقترحات وأفكار في غاية الأهمية. بارك الله فيكم وننتظر مساهماتكم في الكتابة العلمية باللغة العربية والنشر في مجلة (اجسر).

    رد على التعليق

    إرسال الغاء

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */