للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

اليوم العالمي للغة العربية 2023

فرصة لإعادة الألق العلمي للغتنا

  • أ.د. محمد عبد الله الأمين

    كلية العلوم جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - السعودية

  • ما تقييمك؟

    • ( 4 / 5 )

  • الوقت

    12:46 م

  • تاريخ النشر

    18 ديسمبر 2023

استجابةً لدعوة منظمة المجتمع العلمي العربي للمهتمين بكتابة مقالات حول "اللغة العربية العلمية" وذلك بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية والذي يوافق يوم 18 ديسمبر، قررت الإدلاء بدلوي في الموضوع وإن كنت حائراً في كيفية المشاركة وعلى أي زاوية ستتركّز مشاركتي.

اليوم العالمي للغة العربية

فكرت أولاً في تركيز المقال على أنّ اللغة العربية كانت لغة العلم والعلوم لمدة قرون، حين أبدع العرب والمسلمون أيّما إبداع، ودوّنوا منجزاتهم العلمية والحضارية بهذه اللغة العميقة المعاني. وحين أصبح لزاماً على من يريد تعلّم مختلف العلوم أن يبدأ بتعلم هذه اللغة حتى يكون مؤهلاً لسبر أغوار تلك العلوم، حتى كان مثقفو الحضارات الأخرى يتعالون على أقرانهم ويظهرون تفوقهم بالتحدّث ببعض العبارات العربية. لكن من باب "أعطِ القوس باريها" قررت ترك الموضوع لمختصّي تاريخ العلوم، والذين سبق وأن أجادوا في الموضوع.

ثم فكرت أيضاً في تكريس المقال للردّ على من لديهم شكوك بعجز اللغة العربية عن إيجاد الوصف الدقيق للعلوم، وعدم وجود المصطلحات العلمية المناسبة بها إلى غير ذلك من المبررات. ثم كأن "هاجساً" همس لي مجدداً "لا تظلم القوس، أعط القوس باريها"، فمجامع اللغة العربية والتعريب إضافة للمختصين في اللسانيات يبددون هذه الشكوك في إصداراتهم الكثيرة. وقد سبق هؤلاء في دحض تلك التهم شاعر النيل، الشاعر الكبير حافظ إبراهيم رحمه الله  في رده على مدعي عجز اللغة العربية في قصيدته التي مطلعها:
 


إلى أن يقول على لسان هذه اللغة العربية:


أخيراً قررتُ أن أعالج موضوع "اللغة العربية العلمية" من خلال عرض جملة من المقترحات التي لا شك أنه سبق وأن أثيرت من طرف المهتمين بالموضوع، لكن لا بأس بالعود إليها لعلّها تكون أرضية للنقاش من طرف المهتمين بتطوير اللغة العربية العلمية.

لا خلاف حول موسوعية اللغة العربية وقدرتها على تقديم مختلف العلوم للقارئ، كما يجسده المجهود القيم الذي تقوم به مجامع التعريب مشكورة ومراكز الأبحاث و الترجمة بمختلف البلدان العربية. ولا بد من التنويه هنا بمبادرتين قيمتين قامت بهما مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، إذ تكفلت الأولى بترجمة  لملخصات أهم الأبحاث المنشورة في مجلة العلوم "Sciences" فيما اهتمت الثانية بملخصات للأبحاث المنشورة في مجلة "Nature" ممّا مكن الباحثين العرب من الاطلاع على المستجدات العلمية بلغتهم.

لكن حسب رأيي المتواضع، ولإعادة الألق العلمي إلى اللغة العربية ومساهمتها في تقديم المستجدات العلمية والتقنية للقارئ العربي ينبغي اعتماد استراتيجيةٍ تعتمد على رؤى على المدَيَين الطويل والقصير، على أن يشارك في إعداد تلك الاستراتيجية وتنفيذها مسؤولو التعليم والبحث العلمي أي الباحثون في مجال العلوم  إلى جانب اللغويين، هذه الإستراتيجية يمكن أن تركّز على المحاور التالية:

1- إعادة القيمة للغة العربية من خلال اعتمادها في تدريس العلوم في المراحل الجامعية حتى البكالوريوس على الأقل، ناهيك عن التعليم الابتدائي والثانوي، حيث أن معظم الدول العربية تدرّس بلغاتٍ أجنبية في مختلف مراحل التعليم؛ فمثلا تُستخدَم اللغة الفرنسية في شمال إفريقيا والإنجليزية في أغلبية بلدان المشرق العربي، على الرغم من أنّ أغلب الدراسات تؤكّد أن درجة استيعاب الطلاب للمفاهيم العلمية تزداد عند استخدام لغتهم الأم، ممّا يعطي فرصة أكثر للإبداع، وما تجارب بعض الدول ببعيدةٍ عنا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، إذا استأنسنا بتجارب دول كماليزيا، وإندونيسيا، والصين، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة فسنرى أن هذه الدول اعتمدت التدريس بلغاتها الأم وهو ما انعكس إيجاباً على تطوّرها العلمي. من المؤكد أن بعض المهتمين سيتحجّج بعدم وجود المراجع العلمية اللازمة لتدريس بعض التخصصات التقنية، لكن هذا العذر لا يعفي الجميع من المسؤولية، إذ أنّ تكثيف الترجمة كفيل بحلّ المشكلة ولا أعتقد أن غياب تلك المراجع يشكّل عائقاً جوهرياً إلى هذا الحد. ولا ننسى أن الفرنسيين يدرسون بالفرنسية، والإسبان بالإسبانية، والصين بالصينية واللائحة تطول.

2- في مجال البحث العلمي، ينبغي إنشاء مجلاتٍ علمية متخصصة ومحكمة تنشر الأبحاث باللغة العربية مع وجود ملخّص باللغة الإنجليزية، قد يبدو للبعض أن هذا الأمر بعيد المنال  لكن الأمر يهون إذا علمنا أنّ كثيراً من البلدان تصدر مجلات علمية بلغاتهم، وينشرون مقالات رصينة وذات قيمة علمية. ولتشجيع الباحثين في نشر أبحاثهم بهذه المجلات ينبغي اعتماد هذه الأبحاث في الترقيات العلمية وحتى إعطاء مكافآت مالية لمن ينشرون في هذه المجلات نتائجهم العلمية حصراً قبل نشرها في أيّ وعاء نشر آخر. ويجدر هنا التنويه بمبادرة "منظمة المجتمع العلمي العربي" في إنشاء مجلةٍ متخصصة وهي المجلة العربية للبحث العلمي (اجسر) التي تُعنى بنشر الأبحاث العلمية باللغة العربية، وهي المبادرة التي ينبغي تعزيزها والحذو حذوها.

3- تنظيم مؤتمرات علمية متخصصة تكون اللغة الرسمية فيها هي اللغة العربية مما يساعد في نشر الثقافة العلمية باللغة العربية.

في الختام آمل أن يجعل المسؤولون عن التعليم والبحث العلمي بوطننا العربي من الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية فرصة لإيجاد تفكير جاد تتمخّض عنه استراتيجيات فعالة تعيد للغة ألقها، وتمكّن الأجيال من فهم العلوم بلغتهم الأم لينعكس ذلك إيجاباً على عطائهم العلمي ويدفعهم للإبداع في مختلف التخصصات العلمية.

 

تواصل مع الكاتب: mamamin@imamu.edu.sa​

 


يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

       

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

3 التعليقات

  • شنة قويدر19 ديسمبر, 202308:29 م

    المقال الذي أرسلته الى منظمتكم و لم ينشر

    على مدى التاريخ وقف الإسلام أمام الحقائق العلمية ، ليزكيها و يلبسها ثوب القيَّم و المثل ، و هو الذي نشر مواطن العطاء، و لم يتخلى في أي عصر من عصوره عن الأخذ بأسباب العلوم و عن السير في تحقيق المنفعة للإنسانية كلها، من المتعارف عليه بأن اللغة العربية هي مرآة المجتمع، تعكس صيغ الأخذ والعطاء بغية معرفة منطق الإيحاء اللفظي لظاهرة التفاهم. وفي الوقت ذاته هي تلك الأداة التي يتسلح بها الفرد للدفاع عن نفسه وإيصال فكرته بدافع مشجر الإحساس لإدراك الفهم والتفكير بالإقدام على قولبة معاني التعبير بشكل متناسق كضربات أصداء السيوف حين تتمحور الألفاظ مدلول المعاني المُعتمدة بعامل الإدراك العقلي. و كَأيَّنْ من عربيّ يستهين بلغته و يحسبها قاصرةً عن أن تَتَسَعَ المعانيَ الجديدة المعاصرة تعبيراً، و ذلك حين يُصيبه الإنبهار بقدرة اللّغاة الغربيّة على ذلك، وبخاصّةٍ منها الإنجلزية و الألمانية و الفرنسية، فيستسلمً للقضاء و القدَر، و ينسَى ما للعربية من طاقة مُعجميّة لا تنفَدُ، لو وَجدت من ينبُش في بطون معاجمها، و ينقّب عبر أمّهات تراثها و لو ألْفَت مجتهدين لغويّين كباراً يفكّرون في طبيعة عبقريّتها وأَبْنِيَتها ومُرادفاتها وأضدادها وصِيغ المبالغة فيها، و طرائق النّحت و التّركيب في ألفاضها، وقدرتها العجيبة على الاِنزياح بمعانيها من وجه الى آخر دون أن تجد في ذلك حرَجاً أَو عُسراً، لأنصفوا لغتهم و أعتزّو بها إعتزازاُ يليق بمقامها في التاريخ، و العربية لم تكن لتكون لغة الشعر فحسب، كما يتهمها بعض الذين يناصبونها العداوة و البغضاء، ولكنها كانت لتكون، الى ذلك، لغةَ فكرِ وحضارة وتكنولوجيا، وكان ذلك كله قبل أن يصل الى العربية الفلاسفة و البياطرة والأطباء والرّياضيّاتيّون والفَلَكيّون والكميائيّون وسواؤُهم، فإذا كل من هؤلاء يضع لحلقه المعرفيّ يردّدها أو يحُاجُّ بها....ولم نعثرعلى أثر، في تاريخ الثقافة العربية إبتداءا من تعريب الدّواوين الذي قام بها صالح بن عبدالرحمن كاتب الحجّاج بن يوسف الثقفيّ، و صاحب دواوين العراق، الى إختراعات الخوارزمي وجابر والكنديّ، وإكتشافات بن الهيثم، وعجائبيّات الطّبيب بختيشوع، وسواءِ ذلك ممّا ليس هذا مكانّ التفصيل القليل فيه.......... و مع مطالع العصر الحديث و تعرض العالم العربي و الإسلامي لهجمات غربية، وجد العرب أن من مظاهر تخلفهم ضعف لغتهم و قصورها عن مواجهة ثقافة الغرب و علومه و مخترعاته، و قد ظهر ذلك في تاريخ الجبرتي مثلا (عجائب الآثار في التراجم و ألأخبار) حينما اراد وصف أشياء لم يألفها فلم يجد لها تسميات مثل الكهرباء، و غيرها، و في كتابات رفاعة الطهطاوي حينما أراد نقل ما رآه في باريس فلم يجد المفلردات الكافية و المصطلحات الجاهزة للتعبير بدقة و إختصار عن مشاهداته...وقد إستشعر الكاتب و المثقفون و العلماء من يومها ضرورة النهضة بلغتهم و إصلاحها كي تستجيب للتحديات العصر و تسعفهم في حل التناقضات البادية بينهم ، و بين معطيات الحضارة الجديدة، لكن الوقت لم يمهلم و لم يكن في صالحهم، و رغم الجهود التي بذلت في إحياء القاموس العربي العتيد، فإن كثيرا من المفردات العربية الأصيلة و مصطلحاتها و تعابيرها قد تم القفز عليها وإغفالها و تهميشها بدعوى أن اللغة الموروثة مثقلة أو ثقيلة أو مستعصية، و أن الوقت و الإمكانيات و الكفاءات غير متوفرة آنيا لتمحيصها و غربلتها و إستخلاص الصالح و المناسب من تراكماتها، ولذلك فالأجدى مرحليا إعتماد التجديد و لإشتقاق و الترجمة و الإستقطاب الصيغ السهلة و العبارات المطاوعة و ما الى ذلك..... كان من الطبيعي أن تخضع اللغة العربية – وهي مع العقيدة ركنا الأمة و جناح حضارتها – لناموس الحياة في الخلاف و الإختلاف، لاسيما أن اللغة العربية أم لجميع العرب، و هم شركاء في ميراثها، فكما لا يجوز لنفر من الأبناء إدعاء الإرث المادي دون فريق آخر، كذا لا يجوز لنفر من أبناء اللغة أو متكلميها إدعاء ملكيتها و الحجر على الآخرين في حقهم في المشاركة و النظر فيما يرونه من صلاح شأنها أو صلاح شأن المتلاغبين بها، ولكن ليس من الطبيعي أن يصل الخلاف بين أبناء العرب أو تكلميها الى مواقف و آراء تبلغ حدَّ القَتْل على الحرف، كما القتل على الهوية أيام الفتن، و أن تدخل الى اللغة العربية مصطلحات السياسة من نحو الخيانة و تآمر و العمالة التي نفرضها حتى في السياسة بله اللغة و الثقافة، ذلك أن الغالبية العظمى من المتنازعين تنطلق من مبدإ الحرص على وجود الأمة و تقدمها، نقول الغالبية، لأننا لا نعدم من أبنائها من يحاول الإنسلاخ عنها، و مع ذلك فلن نيأس من دعوتهم الى كلمة سواء، و من يدري فقد ينقلب العدو الألد – بالكلمة الطبية – الى ولي حميم . و إن هذه المصالحات تندرج في أطار ما يسمى التوعية اللغوية، إذ ليست التوعية مقتصرة على إدراك اللغة و حتمية التمسك بها، سبيلا للبقاء الحضاري والثقافي، بل هي أيضا سَدَّ الفُرْجة و ردم الهوَّة ما أمكن بين التيارات المختلفة من أهل هذه اللغة ، غير أننا نسمع بين الحين و الآخر مراهانات و أطروحات يرددها عداء اللغة العربية، و التي مفادها ان اللغات كاكائنات الحية: تولد وتشب وتكتهل، وتشيخ وتموت لترثها لغات أخرى تولد بحكم الظروف المستجدة، و دوران عجلة التاريخ التي لا ترجع الى الوراء حسب إعتقادهم الذي بنو عليه رهاناتهم، و الأمثلة التي يينكرها على هذه اللغات التي عاشت و أنجبت ثم ماتت كثيرة في التاريخ القديم و الحديث، و ييضعون اللغة العربية في مقدمة هذه اللغات السائرة في طريق الإنقراض و الزوال. إن المجتمعات العربية مفتونـة بمنجـزات حداثـة لا تفكر في مضاهاة أي جزء من إنتاجها حتى إذا ما انـبرى بعـض الأفـراد لمحاولة فهم ما تغدقه الحداثة على مجـتمعهم وانخرطـوا في الطريق الموصلة إلى المشـاركة في الحركـة العلميـة العالميـة وجـدوا أنفسـهم منعـزلين في مواجهـة تلـك اللجـة العارمة لا تساندهم مجتمعاتهم في سعيهم لإخراجها مما أصابها من ركود بل يجدونها مسـتكينة تجرفها تيارات الحداثة وتستقطبها مراكزها العلمية المتميزة، وإن اللغة هي مفتاح الوصول إلى المعرفة ولـذا فهي تحتـل موقعـا تربطـه بمجتمعه وتحتوي على خلاصة خبرات وتراث كل مجتمع، فاللغـة ليسـت أداة للتعبـيرفحسب، إنما وسيلة التفكير بل هي خلاصة الفكر إلا أن انبثاق علوم جديــدة كالدراسات في دقائق تكوين المادة، أو دراسة الخلايا الجذعية، أوكل ما نـتج عـن اسـتثمار الطاقـة الذريـة وغيرها مـن البحوث الحديثة قـد أدى إلى تراكم معرفي يحتاج نقلـه إلى العربيـة مجهـودا لـى إنجازه. بل لابـد من مؤسسات متخصصة ترفد الطاقات الفردية الهزيلة الــتي تحار في مواجهة تيارات العولمة، ولكنها تُستثار وتَّنتفض لتتصدى لمحاولات تغليب اللغة العالمية على لغتها القومية، حيث هذا لا يعني أن اللغة العربية قد تعطلت وبدا عجزها عن مسايرة الركب العلمي العـالمي، إن نظرة كهذه تنتهي إلى إسقاط حق الجماهير العربية في التعـرف إلى مجريات الأمور في ميادين العلم حين يكون عرضها بلغتها الأم، منكـرة بـذلك مجهـودات التعريـب الـتي قامـت في العالم العربي طيلة القرن العشرين من أجل تسهيل الوصول إلى إدراك العلوم الحديثة واسـتيعاب منطلقاتها. إن ما ذكرناه من تقصير اللغة العربية في النصف الثاني من القـرن العشـرين عـن تعريـف القـارئ العربي بالتيارات الهامة المؤسسة لما يراه حوله من إنجازات تقنية وعلمية، هو تقصير يفسر لنا سـبب يسرته الحداثة. وأي تقصير أكبر من ذلك الـذي أفضى إلى عدم استفادة مجتمعاتنا إلا من فتات ما يسَّرته الحداثة. إن فجوة حضارية مستحكمة في مجالات العلوم والتقانت تفصلنا عـن العالم المتقدم. وهي فجوة آخذة في الاتساع ومعدل اتساعها يتناسـب مـع حجمها، ولـذلك فهي تزداد بقانون ِّ بفعـل وجود سرعتين لتطور العلـوم والتقانـة: سـرعة عاليـة في الـدول المتقدمـة وسـرعة بطيئـة في الـدول النامية، ولذا فإن الفرق بين السرعتين هوحجم الفجوة، وقد تأكـد أن تلــك الفجــوة مرتبطة بشكل وثيق بمدى انتشار تعلم اللغات العالمية في مجتمعاتنا، ويبـدو أن العلاقة بين ما يشاهد من فـروق علميـة وتقنيـة في المجتمعات وبـين عمـق تعلمً اللغات فيها هي علاقة طردية فكلما أصبح الحضاري صغيرا كانـت الحاجـة إلى تعلـم اللغـات قليلة، ولذا فإن الوسيلة الوحيدة للسيطرة على ما نراه من اتساع الفجوة العلمية والتقنيـة بـين الغـرب وبيننا هي اللجـوء إلى حركـة واسـعة مـن الترجمـة والتعريـب يكـون أساسها وضع المصطلحات العلمية والتقنيـة المقابلـة لتلـك الـتي تغرقنا بها العولمة وهـذا يفـترض معرفـة عميقـة ودقيقـة بلغـات العلـم ذات الصفة العالمية. وبما أن المعرفة في العلم هي في الأصل معرفة بلغته أي بمصطلحاته فإن "الكتابة العلمية كتابة علائقية ًبين مضمون العلم وشكل العلم عموما أو بين مفاهيم العلم ومصطلحات العلم خصوصا'' . ولـن نصـل إلى الفهـم العلمـي الصـائب إلا عـن طريـق المصـطلح الـدقيق والمعـنى الواضـح، وهـذا يعني وجود حاجة ملحة إلى جهد مصطلحي متكامـل يحـيط بكـل دقـائق العلـوم المختلفـة، في لغتها الأصلية، من أجل الوصول إلى تنظيم لغوي ومصـطلحي ينتهـي إلى تأكيـد التـزاوج بـين اللغـة والفكـر عمومـاً. وهـذا التـزاوج هـو الـذي يسـمح بـإخراج العبـارة العلميـة في المسـتوى الفـني الـذي يرفـع كـل شــكل مــن أشــكال اللــبس والإغمــاض، بالاســتناد إلى تسلســل منطقــي ينــير الطريــق إلى الفهــم والاستيعاب. و بخصوص هذه المناسبة أريد أن اضرب مثالا في غاية الأهمية لعل أصحاب اللغة يخصصون له حيزا للمناقشة ربما يأتون بجديد ، في علم الاستشراق، دراسة كافّة البنى الثّقافيّة للشّرق من وجهة نظر غربية. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا اهتم الغرب بالشرق ولماذا يسخرون ميزانيات جامعاتهم لدعم الدراسات الاستشراقية. لا شك ان علم الاستشراق علم واسع وتتعدد مدارسه لكن المتفق عليه أن علم الاستشراق كان هدفه دراسة المجتمعات الشرقية دراسة متعمقة من خلال اللغات والعادات والاديان والمجتمعات والشعوب لتسهيل الهيمنة من خلال المعرفة بحسب كتاب ادوارد سعيد في “الاستشراق”. ومن المهم أن نذكر انه ليس جميع المستشرقين كانوا مندسين وساهموا في تشويه الحضارة الشرقية وتاريخها فقد كان هناك مستشرقين أمناء قدموا توصيفا دقيقاً عن الشرق . في الحقيقة أن هنالك علماء وباحثين غربييين منصفين أكدوا أن العرب والمسلمين قدموا للإنسانية حضارة باسقة في كافة المجالات التجريبية والنظرية ، وأنهم كانوا سباقين إلى ميادين التجربة والملاحظة اللتين تسلح الغرب بهما فيما بعد ونهض نهضته المشهودة تقول زيغريد هونكه : ” إن الإغريق تقيدوا دائماً بسيطرة الآراء النظرية ، ولم يبدأ البحث العلمي القائم على الملاحظة والتجربة إلا عند العرب” وتقول : ” لم يكن مستوى روجر بيكون العلمي في الكيمياء أرفع من معاصريه ألا أنه رأى في التجربة التي أخذها عن العرب السبيل الحقيقي للوصول إلى نتائج حؤاسمة في العلوم الطبيعية وخاصة في الكيمياء ، وهكذا كان روجر علماً متوهجـاً سطع في سماء القرون الوسطى المظلمة وفي حناياه روح الشاعر الأندلسي ابن الخطيب الذي قال : مبـدئيـاً يجب أن يكـون كـل برهـان متـوارث قـابلاً'' للتعـديل إذا مـا اتضـح لحواسنا عكسه. لم تبغ "زيغريد هونكه" مجاملة العرب لأنها تعرف أن الباحث الموضوعي لا يجامل أحدا على حساب الحقيقة، بل إن الأمانة في البحث العلمي دفعتها لقول ذلك، كما أن رأيها لم تستنتجه من خلال سباحة على شاطئ العرب أو من خلال اطلاعها على أحوال العرب في علمٍ واحدٍ، أو في فترةٍ زمنيةٍ واحدة، بل اطلعت على كافة علوم العرب وأدلت بشهادتها في كل علم، متجنبة الحكم المسبق عن العرب الذي زعمه المستشرقون وبعض العرب. إن هذا الكتاب قد غفل عنه الكثيرون منا أفسحوا المجال والطريق أمام أعداء العرب ليزوروا التاريخ ويمحوا فضل العرب على الحضارات الأخرى والغربية بالتحديد، حيث غيبت حقائق كانت أولى أن تعرف لتنصفنا نحن والحضارة العربية، فإذا كنا نضئ التاريخ فإنه يصبح بالإمكان رؤية الحقائق إحقاق الحق والعدل، ومن خلال هذا الكتاب يمكن أن يتحقق ذلك، لكن بعدم تغييبه عن الساحة أونسيانه ولابد لنا من أن نقوم بتحليله ودراسته الدراسة الوافية والكافية ليتم ذلك، و إني على يقين أن منارتكم العلمية لقادرة على ذلك ، وأن لا نتناسى هكذا كتب ولهكذا مؤلفين أمثال الدكتورة المستشرقة زيغريد هونكة. كاتبة وباحثة ألمانية لا تربطها بالعرب أي صلة، لكنها على صلة وثيقة بأسس البحث العلمي، فحينما رأت أن كثيرين يتحاملون على العرب، ارتأت السير في سفينة البحث العلمي الموضوعي في رحلة سباحتها في بحر العرب، فسبحت، وتعمقت ودُهشت مما رأت، استنتجت أن العرب ليسوا مجرد نقلة لحضارات الشعوب كالحمار الذي يحمل أسفارا كما تنادي بعض النظريات التاريخية الخاطئة، بل هو قومٌ لهم عقول يفكرون بها، وعندهم طاقات إبداعية مكَّنتهم من ترك بصمات واضحة في كل مجالات الحياة، لقد أسست النهضة العالمية في رحم الكون، فكتبت شهادتها بحقهم في مؤلفها الشهير''شمس العرب تسطع على الغرب'' و عبر هذه الرسالة أود ألفت أصحاب القائمين على هذا البرنامج الثري ، الذي له حتما رؤى مستقبلية واعدة و من خلالكم أقول للشباب العربي ، إن حمل كتاب أمر جيد و يستحق التقدير، لكن إتجاههم الى نظائر رويات متهالكة و الكتب البالية لا يعكس الا رصيدهم اثقافي الذي يؤول الى الصفر و الى ما يطمحون إليه من طموحات تقليدية . في الحقيقة كم من مرة عرضة هذا الكتاب على رئيسة منظمة المجتمع العلمي العربي ليكون دليل مادي من قبلي (طلبت من رئيسة المنظمة تسويقه لي) ، ليتم تدارسه دراسة جادة لكن تلك الجهود لم تعد بطائل ، اتمنى التعرض اكثر لمحتويات الكتاب، علنا نزداد بمحتوياته فخرا وننظر كيفية تلاقي الحضارات وحوارها لا صراعها ، وكيف ان الغرب استفاد من العرب كما يستفيد العرب الآن من الغرب، اذا فالمسألة قائمة على تناسخ توالد وليس على صراع وتهميش وإلغاء الآخر..(نسخة الكتاب مرفقة في هذه المقالة) وأخيرا يتضح لنا جليا أن الوطن العربي برمته يعاني من تخلف كبير في اللغة العربية العلمية، لهذا يجب وضع إستراتجية للنهوض بالأمة العربية بقيادة منظمة المجتمع العلمي العربي ممثلتا في رئيستها الدكتورة موزة بنت ربان مرتكزة على عموم و على إعداد القوى البشرية العلمية المؤهلة، إذ لا يمكن لأية أمة أن تتقدم و تنمو إقتصاديا أو علميا أو في أي علم من العلوم ، دون تقدم علمي و هذا ببناء العلم في أي مجتمع و البناء يكمن أساسا باللغة العربية ، و من ثمة يمكن للأمة العربية أن تساهم في بناء صرح الحضارة الإنسانية بلغتها التي بنت أمجادها، إنه لا سبيل لها في إكتساب التكنولوجيا و الحصول على التنمية الشاملة غير الإعتماد على الإنسان العربي أن يتقن علوم العصر بلغته. وفقنا الله جميعا في تطوير لغتنا العربية و المزيد من التقدم و التطور و الرفاه لمنظمتنا الموقرة.

    رد على التعليق

    إرسال الغاء
  • موزة بنت محمد الربان19 ديسمبر, 202312:58 م

    وأيضاً مؤتمراتنا باللغة العربية

    بداية، شكرا للأستاذ الدكتور محمد عبدالله الأمين على المشاركة بهذا المقال الهادف، وأشكره على التنويه بدور مجلة المنظمة في هذا الميدان، المجلة العربية للبحث العلمي (اجسر). وأفيدكم بما يتعلق بالنقطة الثالثة، فإن المنظمة تلتزم في كل المناسبات والمؤتمرات التي تنظمها بأن تكون اللغة المستخدمة هي العربية لكل الأوراق والمداخلات المطروحة.

    رد على التعليق

    إرسال الغاء
  • بلخيري ناجي19 ديسمبر, 202310:23 ص

    مقترحات غاية في الأهمية

    مقال حمل مسودة مشروع حضاري لا يختص بجانب اللغة فحسب بل ببناء فكر علمي جذوره أصيلة و بأرض طيبة، فكيف لا يعطي !! ثمارا

    رد على التعليق

    إرسال الغاء

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */