يلعب القياس دوراً رئيسياً في حياة الإنسان، فبدون القياس لن تتوفر بيئة مناسبة للتعامل في حياتنا اليومية. كما أن العلوم الطبيعية والهندسية وخصوصاً التطبيقات التكنولوجية تعتمد أساساً على القياس، لذلك فإن القياس وتحليل نتائجه بالطبع يتيح لنا إمكانية اتخاذ القرار المناسب لتطوير حاضرنا والتخطيط لمستقبلنا.

وعليه فإن علم القياس (المترولوجيا) دائماً في تطوير مستمر ونحتاجه في شتى مجالات الحياة مثل الصناعة والزراعة والطاقة والنقل والمواصلات والتعليم والصحة والتجارة حتى في الأخلاق. فقال الله في كتابة العزيز "واوفو الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاط المستقيم" (الآية 35 من سورة الإسراء). فالوفاء في الكيل من الأخلاق الحميدة لأنه مطلَب السماء لكي يعُم العدل بين الناس فيتحقق العيش في كرامة. فظهر "الذراع والصاع والمزولة والقنديلة" كوحدات قياس نشأت قديماً في حضارات الشرق على مر التاريخ بالمنطقة العربية "مصر" ونقلها العالم وطورها في العصر الحديث.

ولأن أخلاق الإنسان (هى السمة التى تميزه عن المخلوقات الأخرى) ومهاراته الإيجابية هما من الركائز الأساسية في تقدم الشعوب. لذلك أسس المكتب الدولى للموازيين والمقاييس (BIPM) اليوم العالمى للقياس (المترولوجيا) ليوافق الـ 20 من شهر مايو كل عام، تخليداً لذكرى توقيع إتفاقية المتر الدولية التى كانت بمثابة إشارة البدء في تأسيس النظام العالمي للقياس في عام 1875م (منذ 140 عام) بهدف توحيد وتجانس طُرق ونظم تقنيات القياس بدرجات دقة متفاوته متفق عليها حول العالم.

وكما نعرف أن الضوء هو أساس العلوم البصرية، حيث يأتي من خارج الأرض لذلك فهو جزء من علم الفلك. ومنذ القدم، لاحظ الناس الإعجاز الكوني في تعاقب الليل والنهار، وانحسار القمر، وعلاقة الأبراج للمواسم المناخية على الأرض، فأدرك المجتمع مبكراً أن هناك حاجة ماسة لعلم الفلك لتقدير التقويمات العلمية مع تغير الزمن وذلك في إطار سُنة الله في كونه لقوله عز وجل: "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" الآية 190 من سورة آل عمران. لذلك فعلم الضوء (البصريات) بالرغم من تواجده منذ القِدم، إلا أنه يعتبر أحد أدوات الآمال المستقبلية أمام الباحثين للنهوض بأنظمة قياس متقدمة تعتمد على الضوء، حيث ما زال إعتماد أجهزة قياس الاستدارة على أنظمة المجسات التلامسية حتى الآن.

ولذلك في هذا العام 2015، قد إعتمد موضوع "المترولوجيا: القياسات والضوء" لإحتفالية اليوم العالمي للمترولوجيا بالتزامن مع تخليد الذكرى الألفية لتأليف كتاب "المناظير" للموسوعي العربي "الحسن بن الهيثم". حيث يهتم بتنظيم هذه الاحتفالية، المعاهد المترولوجية وعدد كبير من المنظمات الدولية والمؤسسات المهنية والتعليمية والبحثية الغير الهادفة للربح، والتجمعات التكنولوجية الكبرى وكذلك القطاع الخاص حول العالم بهدف زيادة الوعي المجتمعي بدور القياس والضوء وأهميته في تحسين جودة الإنتاج ورفاهية حياه الإنسان. فعلاً هذا النوع من الإحتفالات يعتبر مكون حضاري ضروري لزيادة الوعي المترولوجي للمجتمعات بغرض تنمية وإدخال تكنولوجيا جديدة سواء بإثارة الأفكار الإبداعية لدى السادة الزوار بغرض إطلاعهم على الجديد للحصول على خطط وتصاميم ملائمة لرفع كفاءة تشغيل المنظومات التكنولوجية، وكذلك في ابتكار الباحثين لطرق علمية متنوعة بغرض تقديم إكتشافات جديدة كطرق قياس مبتكرة التحقق منها، وطرق للفحص والتشخيص المبكر، اكتشاف مصادر جديدة للطاقة، ودعم تقنيات الحياة اليومية من هواتف وحواسيب وشبكات الإنترنت بما يحقق متطلبات وقبول المجتمع المدني .

والجدير بالذكر أنه في يوم 19 يناير من مطلع هذا العام إختارت منظمة اليونسكو، العالم المصري الكبير الأستاذ الدكتور/ أحمد زويل لإلقاء الكلمة الإفتتاحية في مؤتمر الأمم المتحدة الدولي بمقر المنظمة بالعاصمة الفرنسية باريس والذى كان تحت مسمى "السنة الدولية للضوء". تناولت كلمة الدكتور زويل، الدور الأساسي للضوء في الكون للحياة على كوكب الأرض، ونبذة تاريخية عن أهمية الضوء في الحضارة المصرية القديمة ممثلة في مملكة إخناتون، كما قدم عرضاً وافياً لأعمال العالم العربي المسلم الكبير "الحسن بن الهيثم" في علم المناظير.

لذلك فإن رسالة الأمم المتحدة بإحتفالها بـ "السنة الدولية للضوء"، ورسالة المكتب الدولي للموازيين والمقاييس بإحتفاله باليوم العالمي للمترولوجيا 2015 "المترولوجيا: القياسات والضوء" ، تؤكد دور الحضارة العربية والإسلامية قبل أكثر من ألف عام في شتى العلوم والمعرفة ومنها علم الضوء والتقنيات المبنية حديثاً عليه.

ومن ناحية أخرى في مصر، ينظم المعهد القومي للقياس والمعايرة إحتفالية هذا الحدث "اليوم العالمي للمترولوجيا 2015" بالمحاضرات والزيارات المترولوجية المتنوعة بالمعهد تحت رعاية وزارة البحث العلمي المصرية. باعتبار أن المعهد هو الجهة العلمية المنوط بها الحفاظ على الإسناد المترولوجي وزيادة الوعى به في مصر بجانب دوره الأساسي في البحث العلمي لإبتكار طُرق وأنظمة قياس جديدة ... إلخ لخدمة المجتمع.

وتلخص هذه الورقة موجزاً عن بعض الحقائق الأساسية الهامة المفيدة في أحد أهم قضايا القياس في الهندسة الميكانيكية ما يسمى بـ "الاستدارة" وأهمية الضوء جنباً إلى جنب مع تنظيم إحتفالية الذكرى السنوية ليوم المترولوجيا على الصعيد العالمي وفي مصر. كما تم عرض أهمية قياسات الاستدارة في مجالات الصناعات الهندسية واسعة الانتشار وخصوصاً صناعة السيارات باعتبارها قاطرة الاقتصاد العالمي. وبالإضافة إلى ذلك، تم الإشارة إلى بعض المحاولات لتطور أنظمه قياس الاستدارة وتطبيقاتها حول العالم.

علاوة على ذلك تم مناقشة أحدث التقنيات والجيل الجديد لأجهزة قياس الاستدارة مع وضع توصيات بتطويرها إعتماداً على استخدام الضوء. هذه الورقة تعتبر جزء من حلقة مقالات علمية متخصصة تهدف لتبسيط العلوم من خلال تحليل وتفسير مصادر الأخطاء ودقة وإحكام القياس بغرض تفهم مراحل تطور أنظمة قياس الاستدارة. هذا وقد تم قبول نشر نسخة مرجعية موسعة من هذه الورقة باللغة الإنجليزية في بداية 2015. ولمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع للموقع التالي:

• http://chromejournals.com/tech/index.php/JCEI/article/view/10
• https://scholar.google.com.eg/citations?user=PtA7xmAAAAAJ&hl=en