يقول أحد الكتاب العرب: من السذاجة بمكان أن نتصور أن العولمة مجرد تفوق تكنولوجي، أو سيطرة البورصات والتنافس الاقتصادي. إنها في الحقيقة عملية سياسية تقودها الدولة الأمريكية بالاعتماد على قدراتها العسكرية و نفوذها السياسي. وأقول نعم  إن العولمة هي عملية سياسية تقودها الدولة الامريكية  معتمده على  قدرتها  العسكرية ونفوذها السياسي من أجل إعادة صياغة النظام الدولي الجديد بصيغة استعمارية جديدة من خلال السيطرة الاقتصادية إعتماداً على التقدم العلمي والتكنولوجي، وبالتالي من السذاجة ان لا نتصور ان العولمة هي تفوق علمي و تكنولوجي أدى إلى انتصار المعسكر الرأسمالي  بقيادة الولايات المتحدة الامريكية على المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي.

لم يكن الصراع بين قطبي النظام الدولي في مرحلة الحرب الباردة صراعاً سياسياً وايدلوجياً واقتصادياً فحسب بل كان صراعاً من أجل التفوق العلمي والتكنولوجي استؤنف بفعالية عقب اطلاق الاتحاد السوفيتي السابق لأول قمر اصطناعي عرفته البشرية وهو سبوتنيك (Sputnik1) إلى الفضاء الخارجي، و بعد شهراً واحداً فقط وتحديداً في 3 نوفمبر 1957 تمكن السوفييت من اطلاق القمر الاصطناعي الثاني وهو Sputnik2 فجن جنون الامريكان.

ولقد أدت الانجازات السوفيتية في الفضاء إلى قلق امريكي و خوف من تملك السوفييت للفضاء و طالبت النيويورك تايمز حينها الامريكان أن يفيقوا من غفلتهم. كما قالت الصحيفة في ذلك الوقت إن الولايات المتحدة باتت في سباق من أجل وجودها و قد تزامن ذلك أيضاً مع التصريح الشهير للسيناتور الأمريكي ليندون جونسون الذي اصبح فيما بعد رئيسا للولايات المتحدة الامريكية حيث قال: "ان من يسيطر على الفضاء يسيطر على العالم". لقد كانت أولى ردود الأفعال الامريكية ازاء قلقها من تملك السوفييت للفضاء نحو السيطرة على العالم هو القرار الذي  اتخذه الكونجرس الامريكي في يوليو 1958م لإنشاء الوكالة الوطنية للطيران والفضاء الامريكية  National Aeronautics and Space Administration والتي تعرف اختصار بـ NASA وكان تأسيس ناسا في 1 اكتوبر 1958 أي قبل ان يحتفل السوفييت بسنوية سبوتنيك بحوالي 3 أيام. وكان الامريكان قبل ذلك وحديداً في 31 يناير 1958م. قد اطلقوا قمرهم الاصطناعي الأول المستكشف Explorer وتوالت بعدها الانتصارات الامريكية في الفضاء ابرزها رحلة مركبة القضاء ابولو إلى القمر في العام1969.

لم يعتمد الامريكان  في حربهم العلمية والتكنولوجيا مع السوفييت على غزو الفضاء بل  اتجهوا إلى استغلاله بواسطة تقنيات الكومبيوتر إلى ما بعد البث الاذاعي و التلفزيوني والاتصال الهاتفي،  فكان أن قامت ادارة الدفاع الامريكية إلى انشاء شبكة المعلومات (اربا) ARPA في العام 1969 وهو مشروع كان يهدف إلى تطوير تقنية تشبيك كمبيوترات تصمد أمام  اي هجوم عسكري، وكانت بذلك  تخطو نحو أولى الخطوات التي  أسست لتاريخ الانترنت والثورة المعلوماتية الراهنة حيث تطورت بعد ذلك انظمة الشبكات الكمبيوترية التي تستغل الارسال والاستقبال عبر الأقمار الاصطناعية، اضافة إلى تطوير البرمجيات، فبعد نحو 3 سنوات وتحديداً في العام 1972 ثم اختراع البريد الالكتروني وتم ارسال أول رسالة على شبكة اربانت وذلك تزامناً مع اول عرض لهذه الشبكة في العاصمة واشنطن.

وكان منتصف الثمانينات وحتى التسعينات من القرن الماضي قد شهد بروز الثورة المعلوماتية من خلال انتشار الاتصال بالشبكة العنكبوتية العالمية و قد تزامنت هذه الثورة المعلوماتية و المعرفية مع انهيار المنظومة الاشتراكية و نهاية الحرب الباردة و ظهور اصطلاح العولمة كوريث شرعي لمرحلة الحرب الباردة في اتجاه تشكيل النظام العالمي الجديد أو تشكيل مرحلة تاريخية جديدة. والعولمة كسمة من سمات النظام العالمي الجديد لم تكن فقط نتيجة من نتائج الحرب الباردة بل ان تطورات علمية وتكنولوجية قد لعبت دورا حاسما في تشكيلها وفي فرضها و حتى في تشكيل اسمها و يأتي في مقدمتها بالطبع ثورة المعلومات و الاتصال التي احالت عالمنا اليوم ليس إلى قرية كونية فقط بل إلى حي أو شارع كوني. كما ان نهاية القرن العشرين و بداية القرن الواحد و العشرين شهد العالم فيه ثورة معلوماتية و معرفية في مجالات البيولوجيا و بروز علوم الجينات و الاستنساخ و ظهور استكشافات مذهلة في هذا الجانب اضافة إلى تطور الدراسات الكونية من خلال التلسكوبات الفضائية و انفجار معلوماتي عن نشأة الكون والظواهر الكونية. وهكذا أصبح من المنطقي ان تتجه الدولة الامريكية إلى السيطرة على العالم انطلاقاً من نفوذها العلمي والتكنولوجي و أُعيد إلى الاذهان مقولة السيناتور الامريكي جونسون، "من يسيطر على الفضاء يسيطر على العالم".

البريد الالكتروني للكاتب: abualihakim@gmail.com