للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

علاج الأورام بضخ الأكسجين والحرمان من السكر

  • الكاتب : أ.د. محمد لبيب سالم

    أستاذ المناعة و مدير مركز التميز لأبحاث السرطان - مصر

  • ما تقييمك؟

    • ( 4 / 5 )

  • الوقت

    10:35 ص

  • تاريخ النشر

    15 أكتوبر 2014

"إذا أردت أن تقضي على من احتل الوطن، فيجب أولا معرفة الطرق التي يستخدمها في التمويه والسكون والهجوم، ثم تطوير طرق مضادة للانقضاض من كل اتجاه وليس اتجاه واحد، وكذلك يفعل العلماء مع الورم". إذا قابلت خلية مناعية وتحدثت إليها معرباً عن إعجابك بها فلن تفهم لغة الإعجاب هذه وسوف تطلب منك أن تغير الحديث فهي لا تعرف لغة المجاملات. وإذا سألتها ماهي وظيفتك الأساسية فسوف ترد على الفور وبدون تفكير "التعامل فوراً مع الغريب والقضاء عليه والتخلص من جثته حتى لو كلفني الأمر حياتي". وإذا سألتها، و كيف تميزين الغريب من القريب فلن ترد عليك وسوف تتركك وتذهب لعملها المبرمجة من أجله حتى لا تضيع وقتها في الإجابة عن سؤال مفترض أنك على علم به.

وكما تعلمت جميع الخلايا المناعية دروسها في كيفية التمييز بين الجسم الغريب و القريب، فهي تظن أن بني آدم جميعاً قد تعلموا أيضا المعلومات الأساسية عن جهازهم المناعي الذي بدونه يضعف الإنسان ويمرض ويموت. ولكن للأسف هي لا تعلم أن الكثير منا ليس لديه علم بهذه المعلومات الأساسية بالرغم من ثورة المعلومات و الإنترنت والفيسبوك التي نعيشها. وما أن يذكر اسم الفيروس أو البكتيريا أو الديدان الطفيلية إلا وتقفز الخلايا المناعية لتسيطر على الحديث. ولكن وعلى عكس ذلك، فقلما أن يذكر اسم الجهاز المناعي عند ذكر الورم، لماذا؟ لأن الورم في الأساس نشأ من جسم المريض نفسه، أي خلايا كانت تعمل بطريقة عادية مثل الكبد أو الرئتين أو القولون أو المعدة أو المخ ثم حدث لها حالة جنون أو شذوذ جعلها تحيد عن مسارها في التضاعف والانقسام إلى ما لانهاية وانقلبت على شقيقاتها من الخلايا المجاورة وتحولت إلى كتلة ورمية يضيق عليها المكان بعد فترة بالانتشار و ذلك من خلال العديد من الاحداث سوف أصورها في المشاهد التالية:

المشهد الأول

تبدأ الخلايا السرطانية في ذكاء وخبث ومكر شديد في حفر الأنسجة التي حولها بمهارة وتكوين أنفاق تستطيع من خلاله الهجرة إلى أماكن أخرى، وهذا ما نسميه بانتشار الورم. والأنفاق التي تحفرها الخلايا السرطانية تتم بطريقة عجيبة وكأنها فيلم من أفلام الخيال العلمي. فعندما يضيق عليها البيت تقرر الخلايا بناء مستعمرات سرطانية جديدة وذلك من خلال عمليات بناء وتشييد متعاقبة على مرأى و مسمع من الخلايا السليمة المجاورة والتي أصبحت لا حول لها ولا قوة. ولتحقيق ذلك تقوم الخلايا السرطانية بـإفراز إنزيمات لتحليل الأرضية المجاورة وتفعل ذلك بسرعة ومهارة شديدة حيث أنها تمتلك القدرة على إفراز العديد من الإنزيمات التي لها قدرة غير عادية على إذابة الكولاجين والفايبرين وجميع الأنسجة الضامّة التي تربط بين الخلايا المجاورة لها حتى تتفكك تلك الخلايا تماماً عن الأرضية مما يؤدي إلى عطبها ثم موتها. وممكن تشبيه ذلك بمن يحفر تحت أعمدة البيت فينهار فجأة وتتهدم بنايته. والغريب أن الخلايا السرطانية تعلمت كيف تأكل حطام الخلايا السليمة هذه و الاستفادة منها للحصول على الطاقة اللازمة لها.

والعجيب أن الخلايا السرطانية لا يشعر بها أحد في مراحلها الأولى حتى يتكون الورم و يظهر له حدود ومعالم، حينئذ تبدأ بالإفصاح عن نفسها وعن وجودها ببجاحة متناهية، بل بصفاقة تصل إلى مهاجمة الخلايا المجاورة لإزاحتها عن طريقها لكي تنتشر من مكانها إلى مستعمرات جديدة دون أن تترك مكانها الأصلي. وقد يشبه هذا تماماً ما يفعله العدو عندما يغزو بلد ما فهو يستكين ويعمل بهدوء حتى يتمكن من نفسه ويمكن لنفسه ثم يبدأ في الانتشار السريع بعد أن يكون قد ملك جميع الأسلحة المطلوبة للانتشار و جمع كل المعلومات عن الخلايا المجاورة. هذا هو خبث السرطان الذي لا يضاهيه خبث.

المشهد الثاني

بعد أن تمهد لنفسها الطريق لبناء مستعمرات جديدة قريبة و بعيدة تبدأ الخلايا السرطانية في تشييد الكباري وهي الأوعية الدموية من قاعدتها الأساسية إلى أقرب وعاء دموي له وذلك بإفراز مواد معروفة بقدرتها الفائقة على توفير كل ما هو مطلوب من طوب و أسمنت و حديد لتشييد هذه الكباري. ولا أحد يعلم كيف تعلمت الخلايا السرطانية بناء هذه الطرق والتي من المفترض أن نوع واحد ومحدد من الخلايا السليمة دون غيرها هو الذي يقوم بذلك فقط عندما يحدث جرح أو قطع حتى يلتأم الجرح بتكوين أوعية دموية جديدة. ولكنه خبث الخلايا. وأظن وكما أشرت أن الخلايا السرطانية قضت الفترة الأولى من حياتها تتلصص وتتجسس على كل الخلايا بالجسم لتعرف كيف تعمل سواء كانت خلايا وعائية أو دموية أو مناعية أو عضلية أو أي نوع من الخلايا في الجسد حتى تعلمت كيف تعمل ثم درست هذه الآليات جيداً ثم وضعت الخطط الذكية إما للتغلب عليها أو للتعلم منها ولصالحها. ولا ننسى أن الخلايا السرطانية كانت في الأساس خلية عادية وأن بها كل الجينات الموجودة بكل الخلايا ولكنها على عكس الخلايا العادية والتي لا تستخدم إلا بعض هذه الجينات حسب وظائفها، فإن الخلية السرطانية قادرة على تشغيل أي جين تحتاجه حتى ولو كان في الأصل لا يعمل بها عندما كانت سليمة. إنه الخبث السرطاني الذي لا يضاهيه أي خبث.

المشهد الثالث

بعد أن شيدت الخلايا السرطانية الكباري بحرفية رائعة وأوصلتها بأقرب أوعية دموية حتى أصبحت الأوعية الدموية التي شيدتها جزءً لا يتجزأ من الأوعية الدموية للجسم، تبدأ الخلايا السرطانية في ضخ الآلاف المؤلفة من خلاياها التي تهاجر من مكانها إلى أعضاء أخرى بالجسم لتسكن هناك و تفعل ما فعلته الخلايا الأم التي أرسلتها وهكذا حتى يمتلأ الجسم بالخلايا السرطانية في كل مكان ويهدد حياة المريض للخطر بسبب نفوق الغذاء حيث أن الخلايا السرطانية لها قدرة غير عادية على التكاثر اللامحدود، و بالتالي فهي في حاجة مستمرة للغذاء لتوليد الطاقة لبقائها على قيد الحياة. وتستمد الخلايا السرطانية هذا الغذاء من الجسم مثلها مثل أي خلية سليمة وذلك من خلال الأوعية الدموية التي كونتها مع الفارق أن هذه الخلايا الأكولة تستحوذ على معظم الإمداد الغذائي اليومي للجسم حتى و كأن المريض يأكل ليغذي السرطان.

المشهد الرابع

وبزيادة حجم الورم تصبح المساحة التي يشغلها الورم حوالى الوعاء الدموي الذي يغذيه واسعة و مترامية الأطراف. وتحت هذه الظروف تصبح الخلايا التي على أطراف الورم بعيدة عن الوعاء الدموي الذي يغذيها و لذلك فهي تحصل على كم أقل من الأكسجين و بالتالي جلوكوز أقل و طاقة أقل وذلك على عكس الخلايا الأقرب للوعاء الدموي التي تحصل على نسبة أعلى من الأكسجين، وبالتالي تستطيع حرق كمية أكبر من الجلوكوز وبالتالي تنتج كمية أكبر من الطاقة. وقلما أن يحدث نقص الأوكسجين الخلوي هذا في الأنسجة السليمة إلا في حالات مرضية مثل الأنيميا و الذي يؤدي إلى ضعف وهزال في الجزء المحروم من الأكسجين في حالة حدوثه. ولكن كيف تحصل الخلايا السرطانية على ما يكفيها من جلوكوز لكي تسد رمق أعدادها الكبيرة و التي يزداد نهما للأكل يومياً بل كل ساعة. وقبل أن نتطرق لهذه النقطة دعوني أشرح أولا السيناريو الذي تستخدمه الخلايا العادية في استخدام الجلوكوز في حرق الطاقة.

يدخل الجلوكوز الخلايا السليمة عن طريق الارتباط بالمستقبل الخاص به و هو بروتين موجود على سطح الخلية. يتم أكسدة جزيء الجلوكوز في سلسلة من خطوات من التفاعلات الكيميائية في السيتوبلازم ليتحول إلى منتج يسمى حمض البيروفيك ليتم في النهاية إنتاج جزيئان من الطاقة معروف باسم ATP. وتتم هذه العملية في السيتوبلازم وليس المايتوكوندريا لأنها لا تحتاج إلى أوكسيجين ثم تقوم الخلية بالاستفادة من هذا الحمض في تكوين طاقة وذلك بإدخاله إلى المايتوكوندريا وحرقه هناك في وجود الأوكسيجين من خلال دورة أخرى من التفاعلات الكيميائية يكون نتيجتها تكوين 18 جزيء ATP مما يعادل 9 أضعاف عدد جزيئات الطاقة المنتجة في السيتوبلازم من كل جزيء من الجلوكوز. وبالتالي فإن إجمالي عدد جزيئات ATP التي تنتجها الخلية من جزيء جلوكوز واحد يدخل الخلية هو 20 جزئ ATP. و كما نقيس القدرة الكهربائية بوحدة "الوات" فإن مقياس قدرة الخلايا على إنتاج الطاقة هو وحدة "ATP".

وفي حالة عدم وجود أوكسيجين، والذي قلما أن يحدث في الخلايا العادية إلا في حالات معينة كما يحدث أثناء الجري أو بذل مجهود رياضي يتحول حمض البيروفيك إلى حمض اللاكتيتك الذي يترسب في العضلات ويسبب ألم بها وهذا ما يجعلنا نشعر بهذه الآلام بعد الجري وذلك لأن كم الأوكسيجين المتاح للخلايا العضلية يكون قليل جداً. ويتم التخلص من هذا الحمض بعد فترة. فإذا كان هذا هو الحال في الخلايا العادية فما هو الحال في الخلايا السرطانية والتي يعاني جزء كبير منها من نقص الأكسجين. وللتغلب على هذا التحدي فقد طورت الخلايا السرطانية وبخبث غير عادي آليتين في آن واحد للتغلب على مشكلة نقص الأكسجين وللاحتياج للجلوكوز، آلية طورتها الخلايا السرطانية القريبة من الوعاء الدموي و آلية طورتها الخلايا السرطانية البعيدة عن الوعاء الدموي والمد الأوكسيجيني. فمن جهة اخترعت الخلايا السرطانية البعيدة عن الوعاء الدموي والمحرومة من الأكسجين آلية تعتمد على تنشيط جين يسمى HIF-1 و الذي يقوم بدوره بالتحكم في تنشيط أربع مجموعات من الجينات التي تجعل الخلية تتحمل هذه الظروف القاسية بسبب الحرمان من الأوكسجين. وهذه الجينات هي كالتالي:

  • جين يسمى GLUT-1: وهو البروتين المسؤول عن استقبال الجلوكوز من خارج الغشاء الخلوي و دفعه إلى داخل الخلية و بالتالي يزيد من كم جزيئات الجلوكوز التي تحصل عليها الخلية السرطانية.
  • جين يسمى PDK-1: وهو الذي يمنع دخول حمض البيروفيك إلى المايتوكوندريا و تحويله إلى طاقه و ذلك لعلمه أن هذه العملية تحتاج إلى أوكسجين. وبالتالي يؤدي ذلك إلى تجمع كميات كبيرة من حمض اللاكتيك.
  • جين يسمى LDHA: وهو المسؤول عن تحويل حمض البريوفيك إلى حمض اللاكتيك و عليه يتم إعادة تدوير حمض البيروفيك والاحتفاظ به في صورة أخرى لا تستطيع أي خلية الاستفادة منها إلا الخلايا السرطانية فقط.
  • جين يسمى  CA9: وجين NHE1 وهما المسؤولان عن ضخ أيونات الهيدروجين خارج الغشاء الخلوي للخلية السرطانية مما يزيد من حمضية الوسط الذي تعيش فيه الخلايا و المناسب لها تماماً. 
  • جين يسمى  MCT1: وهو المسؤول عن استلام حمض اللاكتيك من خارج الخلية و إدخاله إلى سيتوبلازم الخلية السرطانية التي يوجد بها مستويات عادية من الأوكسجين.

وهذه الآليات لا تجعل الخلية السرطانية تتخلص بسهولة من أي تراكمات من حمض اللاكتيتك فقط بل تصدره للخلايا السرطانية المجاورة لها والقريبة من الوعاء الدموي والتي هي الأخرى اخترعت تكنولوجيا لاستخدام هذا الحمض وإعادة تدويره مرة أخرى لتكوين طاقة تستخدمها لنفسها. وبذلك تكون الخلايا السرطانية مجتمعة استطاعت وبذكاء شديد أن تتغلب على مشكلة نقص الأوكسجين والحاجة الشديدة للجلوكوز بل طوعتها لصالحها واستطاعت تصنيع الطاقة باستخدام حمض لا تستطيع الخلايا العادية توظيفه لصالحها وهو حمض اللاكتيتك. وبخبث أكبر و مكر أشد والذي يزيد الأمر سوءاً على المريض هو قدرة الخلايا السرطانية على قتل بعضاً منها و كذلك بعض من الخلايا السليمة المجاورة لأكلها كمصدر للطاقة وهي العملية التي نطلق عليها Autophagy.  

المشهد الخامس

لا يقف الأمر عند حد التغلب على مشكلة نقص الأوكسجين والحاجة الشديدة للجلوكوز بل إن الخلايا المحرومة من الجلوكوز تعيش في بيات أيضي ولا تتكاثر وبالتالي تهرب من أي علاج كيميائي أو إشعاعي وهو الذي لا يؤثر إلا على الخلايا التي تتكاثر. و لزيادة الخبث فقد اتفقت الخلايا السرطانية أن تتحرك في بيتها وتتبادل المواقف فمرة المحرومة تصبح هي القريبة ومرة القريبة تصبح هي المحرومة و ذلك للتمويه وحتى لا تموت إحداهما و تبقي الأخرى بل اتفقا على أن يبقيان سوياً ويهربا من العلاج سوياً. شيء لا يصدق، من علم هذه الخلايا كل هذا الخبث؟ لا أحد يعرف وإن كنا كعلماء كشفنا عن السبب وهي جينات أصبحت أسمائها معروفة تستخدمها الخلايا في هذا التلاعب تجعلها مرة تتنفس تنفس هوائي في وجود الأوكسيجين ومرة لا هوائي في عدم وجوده. و للانتقام من هذه الخلايا اللعوب استطاعت ثلاث شركات بالاستعانة مع العلماء مكتشفي هذه الجينات من تطوير علاجات تستهدف البروتينات التي تصنعها هذه الجينات و يعالج بها المرضى حالياً، وقد أدت إلى تقدم غير عادي في تحسين استجابة مرضى السرطان للعلاج.

كيفية التغلب على خبث الورم

إذاً ما هو الحل للتغلب على هذه الأسلحة التي يمتلكها الورم حتى نستطيع مهاجمته وقتله دون خسائر كبيرة؟ بالطبع لا يستطيع الجسم من تلقاء نفسه أن يهاجم الورم بعد أن وصل إلى هذه الدرجة من الخبث و الدهاء حتى أصبح الجسم نفسه ضحية للورم. ولذلك فلا مفر من علاج يقضي على الورم ولكن بطريقة غير تقليدية تعتمد على العلاج بمواد كيميائية أو إشعاعية لضرب وهدم الحامض النووي المعروف باسم DNA في الخلية ليحد من تضاعفها السريع وذلك اعتماداً على أن هذه العلاجات تستهدف بحد كبير الخلايا ذات القدرة العالية على التضاعف مثل الخلايا السرطانية، وإن كان هناك خلايا أخرى في الجسم مثل خلايا الجلد والخلايا المبطنة للأمعاء و الخلايا المناعية بنخاع العظم تموت أيضاً من هذه العلاجات نظراً لأنها سريعة التضاعف وهذا ما يفسر الأضرار الجانبية للعلاج الكيماوي والإشعاعي. هذا بالإضافة أن العلاجات التقليدية لا تضمن منع عودة الورم مرة أخرى و بشراهة عن المرة الأولى. وما هي العلاجات الغير تقليدية والتي من الممكن بها علاج الأورام على ألا تعود مرة أخرى وعلى ألا تحدث أضرار بالخلايا السليمة؟  مما تم تقديمه أعلاه من أن السرطان ممكن اعتباره مرض أيضي حتى و لو كان سببه جيني، فالحل يكمن في التدخل بإفساد التكنولوجيا التي طورتها الخلايا السرطانية المحرومة من الأوكسجين للتحايل على نقصه فيها والتي طورتها الخلايا المجاورة للأوعية الدموية للاستحواذ على معظم الجلوكوز المتاح. وللقضاء على الخلايا المحرومة من الأوكسجين فكر العلماء في أربع طرق و كلها نجحت نجاحاً كبيراً.

الطريقة الأولى: تعتمد هذه الطريقة على إتاحة المستوى المطلوب من الأوكسجين للخلايا السرطانية أي تهويتها وبالتالي يتم تنشيط الماياتوكوندريا بها و حرق حمض البيروفيك الناتج من تكسير الجلوكوز ومن ثم لا يتكون حمض اللاكتيك وبالتالي لا تستطيع هذه الخلايا أن تُصدّر حمض اللاكتيك إلى الخلايا السرطانية الأخرى. وفي نفس الوقت تبدأ هذه الخلايا في التضاعف وبالتالي تستجيب للعلاج الكيميائي. ولذلك إذا طبقت عملية التهوية هذه فلا بد أن تكون أثناء العلاج الكيماوي أو قبله مباشرة. 

الطريقة الثانية: تعتمد هذه الطريقة على منع الأوكسيجين عن الخلايا الورمية جميعاً و ذلك بتحطيم الأوعية الدموية عن طريق العلاج بالمواد المضادة للأوعية الدموية مثل العلاجات التي تستهدف بروتين VEGF. ولكن عيب هذه الطريقة أنها لا تضمن الموت المحقق للخلايا الورمية جميعاً، وذلك لوجود العديد من الخلايا التي بالفعل قد تأقلمت على نقص الأوكسجين في الأوعية الدموية و وجودها في بيات شتوي يجعلها بعيداً عن متناول هذا النوع من العلاج. 

الطريقة الثالثة: تعتمد هذه الطريقة على شل قدرة الخلايا السرطانية على إفراز العديد من البروتينات مثل HIF-1 لأنه هو المسؤول عن تهيئة الخلية لتحمل الحرمان من الأوكسجين ودفعها للهجرة إلى أماكن أخرى أكثر تهوية وجعلها أكثر مقاومة للعلاج.

الطريقة الرابعة: تعتمد هذه الطريقة على تقليل الوسط الحامضي الناتج من عدم وجود الأوكسجين وتراكم حمض اللاكتيك الذي يستخدم في تصنيع الطاقة، وذلك بمنع إمداد الورم بالجلوكوز من خلال العلاج بمادة صوديوم داكلوذواسيتيت Sodium Dichloroacetate وهي المعروفة بإنعاش المايتوكوندريا واستعادة وظيفتها المعطلة في الخلية السرطانية في إنتاج الطاقة في وجود الأوكسجين أو العلاج بمادة كبريتات الهايدرازين Hydrazine Sulphate والتي لها قدرة على وقف عمل ليس فقط الجلوكوز و لكن أيضاً حمض البيروفيك واللاكتيك. وبناء على نتائج دراسات مشجعة تم إجرائها على فئران التجارب، أوضحت نتائج العديد من الأبحاث السريرية الحديثة تحسن استجابة مرضي السرطان والذين يعالجون بـعقار الميتفورمين Metformin للعلاج الكيماوي حيث ان هذا العقار يقلل من نسبة السكر المتاحة في الجسم. كما أوضحت الدراسات السريرية الحديثة بفائدة الوجبات التي تحتوي على الأسماك و الدجاج المكون من زيت السمك و الزيتون و زيت الكتان و جوز الهند. و تسمي هذه الوجبات علمياً بالوجبة الكيتونية Ketogenic Diet و التي انتشرت حديثا لهذا الغرض. وقد يفسر فائدة الوجبة الكيتونية لإضعاف الورم وموته من تحسن حالة مرضى السرطان أثناء الصيام و الذي يؤدي إلى تكوين مواد كيتونية نتيجة لحرق الجلوكوز كاملاً أثناء الصيام. و حيث أن الخلايا السليمة هي وحدها القادرة على استخدام هذه الأجسام الكيتونية في تكوين الطاقة فإن الخلايا الورمية لن تستفيد من الوجبة الكيتونية بعد حرمانها من الجلوكوز.

ملخص المشاهد

الخلايا السرطانية الكامنة التي تعلم أن لديها استعداد للتحول إلى سرطان تستطيع تحت ظروف معينة، مثل التلوث أو الالتهاب المزمن أو العدوى المزمنة أو تعاطي أدوية مثبطة للجهاز المناعي فترة طويلة أو التعرض إلى إشعاع أو بعض الضغوط النفسية المزمنة أو سوء التغذية المزمن سواء كما أو نوعاً، أن تتحول في هدوء و صمت وبلا ضجيج إلى ورم عن طريق التلاعب في عمل الجينات بطريقة تسمح للجينات المسرطنة أن تعبر عن نفسها و للجينات المثبطة للسرطان أن تصمت وتتوقف عن العمل. وما أن يمكّن السرطان لنفسه من مكان ما ويتمكن من قدراته يبدأ في توظيف كل الأسلحة التي يمتلكها في تعطيل الخلايا السليمة المجاورة له ثم حفر نفق له ثم كباري عبارة عن أوعية دموية جديدة ثم إفراز مواد سيئة السمعة من ناحية تفسح له الطريق ببروتينات تعمل كالجرافات وعندما يزداد عددها وتتضاعف بجنون ويقل المد الأوكسيجيني، تقوم على الفور بـتغيير النمط المتبع لعمليات الأيض فتخترع طرقاً جديدة فمرة تقلل من احتياجها للجلوكوز لتصبح مقاومة للعلاج الكيميائي، ومرة تزيد من مستقبلات الجلوكوز لتحصل على كل المتاح في الجسم، ومرة تحول النفايات إلى طاقة ومرة تقتل بعض منها وبعض من الخلايا السليمة المجاورة لتأكلها و تتغذى عليها كمصدر للطاقة.

إذا المنتصر هي الخلايا السرطانية على خلايا الجسم بما فيها الخلايا المناعية. ونظراً لأن الخلايا السرطانية كانت خلية سليمة في الأصل مما جعل الخلايا لا تتعامل معها كعدو، ونظراً لأن التغيرات التي تحدث في الخلية السرطانية لا تجعلها ترقى بأن تتعامل معها الخلايا المناعية على أنها جسم غريب، ونظراً لأن الخلايا السرطانية تتعاون فيما بينها، ونظراً لأن الخلايا السرطانية تغير باستمرار من جيناتها، ونظراً لأن الخلايا السرطانية تفرز مواد ليس فقط قادرة على تثبيط وظائف الخلايا المناعية بل تحول العديد منها إلى خلايا مثبطة لكل الوظائف بالجسم، فإذاً، النهاية هي نمو الورم و انتشاره بسهولة وهروبه من الجهاز المناعي وعدم استجابته لأي علاج فيضعف الجسد ويستسلم للموت في النهاية. ولذلك فممكن التوصية لمرضى السرطان بالتوقف عن تناول كميات كبيرة من الجلوكوز أو حتى الفركتوز و أكل كميات كبيرة من الوجبة الكيتونية و العلاج ببعض المواد المنشطة للمايتوكوندريا، وإذا أمكن الحفاظ على تدريبات رياضية يوماً ولو لمدة ثلاثين دقيقة و الصيام من وقت لآخر.

 

البريد الالكتروني الكاتب: mohamedlabibsalem@yahoo.com

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

0 التعليقات

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */